520: قانا بين إيل ويهوه

الحلقة 520 : قانا بين إيل ويهوه
(الأربعاء 2 آب 2006)

تغير تاريخ الجريمة ولم تتغير جغرافيا الجريمة. وسقطت قانا مرةً أخرى تحت نيران الحقد المجرم. قبل عشر سنواتٍ كان اسمها “عناقيد الغضب العميم”. اليوم، بعد عشر سنوات، اسمها “أمطار الحقد اللئيم”.
كل هذا في قانا، قانا التي يتصارع عليها إيل ويهوه. إيل السماح والمحبة، ويهوه البغض والحقد. إيل “أحبوا أعداءكم” ويهوه “اقتلوا أعداءكم”، إيل “من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر” ويهوه “العين بالعين والسن بالسن”. إيل الإله السموح المُحب الرحوم الرحيم، ويهوه القاتل المجرم اللئيم. إيل الحياة بعد الموت والقيامة الأبدية، ويهوه الموت الذي ما بعده حياة.
كل هذا في قانا: صراعٌ بين إيل ويهوه.
كان ذلك ذات يوم. و”كان عرس في قانا الجليل”، على ما يقول يوحنا. والجليل كان يومها ضمن فينيقيا. وقانا هي اليوم في لبنان. وكان هناك يسوع وأمه. ونفد الخمر. وطلبت من يسوعَ أمُّه أن يفعل شيئاً. فانتهرها: “ما لي ولك يا امرأة. لم تَحِن ساعتي بعد”. ولم تُجِبْهُ بل قالت للخدم: “إفعلوا ما به يأمركم”. وانصاع لرغبة أمه مريم وطلب أن يملأ الخدمُ الأجاجين ماءً فملأوها، وتَحوَّل الماءُ إلى خمر، ويومها، يقول يوحنا، “أظهر يسوع أُعجوبته الأولى وآمن به تلامذته”.
هذه هي قانا: أرض الأعجوبة الأُولى. أرض تَحَوُّل الماء إلى خمر، وتَحَوُّل يسوع إلى مسيح، وتَحَوُّل الإنسان إلى إله.
على أرض قانا بدأت رسالة المسيح، وعلى أرض قانا تتواصل رسالة يهوه. على أرض قانا مسيحُ الحياة ويهوه الموت. قانا الأعجوبةُ الأولى وقانا الشهيدةُ الأولى. قانا إيل: أجاجين الخمر الباقية، ومغارة المسيح، والنقوش الشاهدة على الصخر. وقانا يهوه: دمارُ البيوت المنهارة، والقبورُ المفتوحة، والأشلاءُ الشاهدة على الجريمة.
هذه هي قانا وهذا هو لبنان قانا: لبنان أعجوبةُ هذا الشرق وضحيةُ هذا الشرق. لبنان جوهرةُ محيطه وضريبتُه أنه ابن محيطه. لبنان الفرادة وأضحيتُه أنه هذه الفرادة. لبنانُ الأرضُ الضئيلة والإشعاعُ العالمي، وجلجلتُه أنَّ أرضَه مساحةُ اشتهاءٍ للحقد والموت والتدمير لِمَحو إشعاعه في العالم.
وقانا صورة مصغرة عن لبنان. قانا ضحيةُ أنها أرضُ الأعجوبةِ المسيحية الأولى. ولبنان ضحيةُ أنه أرضُ الأعجوبةِ اللبنانية المتواصلة المستمرة الدائمة. وطالما قانا باقيةٌ قانا الأعجوبةِ الأولى، ولبنانُ باقٍ أرضَ الأعجوبة اللبنانية الدائمة، فسوف تبقى قانا شهادةَ الحياة الدائمة، ولبنان، لن يعود بعد اليوم طائر الفينيق، بل بعد اليوم سيصبح الرمز معكوساً، وعوض أن يقال طائر الفينيق سيقال: هذا خالدٌ عظيم، كطائر الـلبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*