519: فرصتُنا النادرة بين الالتفاف والإجماع
(الأحد 30 تموز 2006)
إذا كان صحيحاً أنّ في كلّ موتٍ أمثولةً للحياة، وفي كل حربٍ أمثولةً للسلام، وفي كل دمار أمثولةً للعمار، فإنّ أمامنا اليوم أمثولةً نادرةً لبناء دولة لبنان الجديد.
ومن أين هذه الأُمثولة؟ من التفافٍ نادرٍ حصل، ومن إجماعٍ نادرٍ حصل.
الالتفافُ بدا لافتاً ونادراً ومفرحاً حين انفتحت البيوت والمدارس والقلوب من اللبنانيين لاستقبال إخوانهم اللبنانيين النازحين الخائفين الهاربين من قصف الوحش والذئب والغول، وتنادى أصحاب النخوة إلى تدبير الأسرّة والحليب والخبز والدواء، لا يفرّقون بين نازح ونازح، بين مساعَد ومساعَد، بين مريض ومريض، بين طفل وطفل، بين طائفة وطائفة، بين مذهب ومذهب، بين منطقةٍ من ومنطقةٍ إلى، بل هرعوا جميعاً، صليباً أحمر، وكاريتاس، وجمعياتٍ أهلية ومغيثة، وناشطين في المجتمع المدني، ومتبرعين ومندفعين ومتطوعين، هرعوا جميعاً: لبنانيين لنُصرة لبنانيين.
هذا عن الالتفاف. أما الإجماع فبدا هو الآخَر لافتاً ونادراً ومفرحاً حين خرج وزراءُ الحكومة من يومين بإجماعٍ لافتٍ ونادرٍ ومفْرِحٍ على موقف فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة وناطقاً باسم كل لبنان في مؤتمر روما، وإجماعُ أعضاء الحكومة أجمع معه كذلك كبار السياسيين والقادة اللبنانيين من كل المروحة السياسية اللبنانية، مسلسين لرئيس حكومة لبنان قيادة لبنان إلى شاطئ الأمان والخلاص والسلام اللبناني النهائي الناجز القوي الدائم المتين.
هذان هما (الالتفاف والإجماع) الجناحان اللذان سيطير بهما من جديدٍ طائرُ الفينيق، وينهض بهما لبنان من رماده إلى عماده، ومن دماره إلى عماره، فلا يعودُ لبنان دولةً مستباحة، ولا أَرضاً مستباحة، ولا يعودُ شعبُ لبنان مصلوباً على جلجلة الاستباحة معرّضاً كل فترةٍ للتهجير والنُّزوح والموت المجاني على الطرقات والجسور وتحت الأنقاض.
هذا الالتفافُ الشعبي من اللبنانيين حول إخوانهم اللبنانيين، وهذا الإجماع السياسي حول رئيس الحكومة، فليكونا مصراعَي بوابة الدخول إلى دولة لبنان الجديد: شعباً موحّداً ملتفّاً على بعضه البعض فوق الفئويات والحزبيات والإيديولوجيات والانقسامات السياسية، وقادةً سياسيين موحَّدين مُجمِعِين على إسلاس القيادة للدولة الموحَّدة باسم كل لبنان.
وبين شعبٍ موحَّد وحكومةٍ موحَّدة فلنبدأْ جميعُنا (شعباً وسياسيين) بتسليم مقاديرِنا إلى الدولة لنجعلَها جميعُنا (موحَّدين) دولةً موحَّدةً قويةً نحميها أفراداً وتَحمينا مجموعةً واحدة تحت جناحيها، تقوى بنا ونقوى بها، فنمنّع حدودَنا وأبوابَنا وبيوتَنا، وينهضُ لبنانُ من دماره الهائل اليوم إلى قوة هائلة غداً وكلَّ يوم: لبنانَ لبنانياً قوياً منيعاً بشعبه ودولته، ومنارةً رائعةً من جديد على خصر هذا المتوسط القديم، وعلى جبين هذا الشرق الأوسط الجديد.