518: التماسك الأقوى من كل تفكك

الحلقة 518: التماسكُ الأقوى من كل تَفَكُّك
(الأربعاء 26 تَمُّوز 2006)

برغم الدمار الذي يصعقُنا منذ أسبوعين ولا يزال، والقصد منه التفتيت والتفكيك، برغم ألسنة النار التي تنفث الحقد قبل النار، والتفرقة قبل الدمار، ما زال لبنان متماسكاً بشراً ولو تقطعت أوصاله حجراً.
نرفض أن نسميهم “مهجّرين”، هؤلاء النازحون من مدنهم والقرى، إلى مدنٍ أكثر أماناً وقرىً أقلَّ خطراً، وهُم يصِلُون ولا يطرقون باباً لأن الأبواب مشرَعة لهم ولا منّة، والوجوهَ تستقبلهم لا استقبال التعارف بل ترحيب التعرّف.
وهذا هو لبنان. هذا هو لبنان اللبناني، الذي فيه كل لبنانيٍّ لبنانيٌّ في بيته وفي بيت جاره وفي كل بيت. وتسقط جميع الاعتبارات، وتسقط جميع الإيديولوجيات، وتسقط جميع الفئويات أمام طفل على ذراع أمه، وعجوزٍ تحمل شيخوختها، ورجلٍ يبحث عن سقف لعائلته المشرّدة أياً يكن وأنى يكن وكيفما كان هذا السقف.
هذا هو لبنان اللبناني: فلتسقُط صيغة التعايش والعيش المشترك. هذا الذي يحصل الآن في المناطق الآمنة من لبنان، ليس تعايشاً بين شعبين بل عيش واحد لشعبٍ واحد، وهذا الذي يحصل بين العائلات اللبنانية ليس عيشاً مشتركاً بين قبائل متناحرة متنافرة بل هو عيش واحد لعائلة واحدة متشعبة الأطراف والفروع.
هذا هو لبنان اللبناني: فلتسقط شعارات السياسيين ولتسقط تنظيراتهم في التصاريح، ولتسقط عباراتهم الزنجاريةُ المعلوكة في برامج الـ”توك شو” السياسية التي يجلدون بها الناس كل ليلةٍ والناس يَمجُّونهم كل ليلةٍ أكثر، فلتسقط جميع ثرثراتِهم أمام بابٍ ينفتح لعائلةٍ مشرّدة، وأمام علبة حليب تمتد لطفل جائع، وأمام حبة دواء تتقدم لرجل وجيع.
هذا هو لبنان اللبناني: عائلة واحدة وبيت واحد وصوت واحد، ولو ان فيه استثناءاتٍ لِمغسولي الدماغ لكنها تبقى أقلية أمام أكثرية الصوت الواحد الذي هو لبنان، صوت لبنان اللبناني، صوت لبنان البيت الواحد والأسرة الواحدة والمصير الواحد.
بعد هذا التماسُك، من أين ستدخل إسرائيل ولو دخلت بدباباتها، وبعد هذا التلاحم من أين ستفرّق إسرائيل ولو فكّكت بصواريخها الأحياء والبيوت والشوارع، وبعد هذا الانصهار، ستخيب إسرائيل ولو كسّرت عندنا جميع الجسور، فجسور اللبنانيين في ما بينهم أقوى من جسور الطرقات، ولحمة اللبنانيين في ما بينهم أمتن من فكفكة أعمدة الإرسال، ووحدة اللبنانيين في ما بينهم أشدّ رباطاً من كل تفكك تسعى إليه إسرائيل ومن وراءَ إسرائيل.
لبنان اللبناني وحده خلاصنا، وحده التماسُك الأقوى من كل تفكُّك. وحده الجنة التي لن تقوى على تدنيسها جميع أبالسة الجحيم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*