494: هنيئاً لك أنك من وطن جبران والأرز
(الأربعاء 3 أيار 2006)
وقف عميد كلية العلوم الإنسانية في جامعة ميريلاند، بلباسه الجامعي التقليدي وقرأ على الجمع النص الرسمي لتكليفي مهمتي الجديدةَ رئيس الاتحاد العالمي للدراسات الجبرانية في منطقة لبنان والمشرق. وبعدما رفعتُ يميني متعهّداً القيام بمسؤوليتي الجديدة على أفضل وجهٍ، وانتهى الاحتفال بأن صافحني العميد مهنئاً باسم الجامعة وتلاه في المصافحة أركانُ الكلية والأَساتذة الحاضرون، ورئيسُ الاتحاد لمنطقة أميركا وأوروبا مؤسسُ منبر جبران في جامعة ميريلاند الدكتور سهيل بشروئي، تقدّمت مني سيّدة عرفتني بأنها الدكتورة باربرة تومسون، أستاذةُ الإنسانيات في الجامعة، لتخبرني أنها كانت تزور والدتها في ولاية كونيتيكت، مهنئةً بِعيدِ ميلادها الثمانين، حين قالت لها الوالدة للمرة الأُولى إنها ربّتها على مبادئ هذا الكتاب الصغير هناك في المكتبة. بادرت باربرة إلى المكتبة وأخذت الكتاب الصغير من بين الكتب فوجدَت أنه كتاب “النبي” لجبران. وطلبت منها الوالدة أن تقرأ لها فصل “الأولاد” ففعلت الابنة متأثرةً شديداً مما تقرأ. وهي كانت قرأت “النبي” في صباها ولم تكن تدري بأن والدتها متأَثِّرةٌ بما فيه من مبادئَ وقيَمٍ في فصل “الأولاد” وفي فصولٍ أخرى من هذا الكتاب الذي يروج في الولايات المتحدة طبعةً بعد طبعة ويتلقَّفُهُ القراء جيلاً بعد جيل، ولا يزال كتاب الأجيال المتعاقبة، منذ صدوره قبل اثنين وثمانين عاماً حتى اليوم، كأنه اليومَ صدر، كأنَّ صاحبه لا يزال هنا، كأن الموت لم يزدِ الكتابَ وصاحبَه إلاّ حضوراً.
زوج الدكتورة، رئيس مركز أبحاث التراث في كلية العلوم الإنسانية لدى جامعة ميريلاند، الدكتور بول شاكل، كان يتابع حديثَ زوجته إليّ، فعقّب على الحوار: “أهنئكَ ثلاثاً: أولاً على منصبك الجديد بيننا رئيس اتحاد الدراسات الجبرانية في هذه الجامعة، ثانياً على كونك من وطن جبران، العظيمِ الذي نشأنا جميعُنا على كتاباته، وثالثاً على كونك من لبنانَ الذي نعرفه وطن الأرز الخالد. إن الأرز ليس ملكاً للبنانَ وحدَه بل هو إِرثٌ مُلْكُ العالم”.
شكرتُهم على التهنئة، وكتمتُ غصَّةً في قلبي لكون العالم الجديد يَقدِرُ أهميةَ جبرانَ والأرز، وفي لبنان، وطنِ جبران والأرز، أبناء الجيل الجديد يأخذُهم قادة السياسة إلى الفئويات والحزبيات والمذهبيات والاصطفافات والآنيات الزائفة الزائلة، ولا يعرفون الكثير عن جبران، ولا عن أهمية الإرث الذي أعطاناه التاريخ في هبة الأرز.
كنتم معي في واشنطن. إليكم بيروت.