الحلقة 459: كل عامٍ وأنتم بِغضَب
(الأحد أول كانون الثاني 2006)
“كلَّ عامٍ وأنتم بِخير”. نتبادلها اليوم ونتمناها لبعضنا البعض، ولا نقصد منها الخير بقدْرما نقصد منها التضرُّع أن يبدأَ اليومَ هذا العام بقلق أقلّ، وخوف أقلّ، ورعبٍ أقلّ، وأن يبدأَ اليوم عامٌ يُضمر للبنان حزناً أقلّ وفواجعَ أقلّ.
فيا أيها العام المطلُّ علينا اليوم: بكَ نرحّب، وأيدينا على قلوبنا، ونحن نشعر أننا في وطنٍ مثقوبِ السقف معرَّضٍ لكل أنواع الحجارة والمطر.
بك نرحّب، ونحن حذِرون في كل كلمةٍ نقولها، كي لا نكونَ مغالين في التفاؤل ولكنْ أيضاً غيرَ مغالين في التشاؤم. نريد أن نكون طيِّبين أيها العام الجديد، لكننا أيضاً نريد أن نكون مسلَّحين بإيمان لا يرادفه اليوم إلاّ الغضب. نعم: الغضب أيها العام الجديد. والغضب لا يعني البغض ولا الحقد ولا الانتقام ولا الثأْر، ولكنه أيضاً لا يعني النسيان النظري والغفران الطوباوي، قبل أن نعرف اليوضاسيين المتغلغلين بيننا بأَقنعةٍ مزيَّفة ويصافحوننا بقفّازاتٍ مستعارة، وأن نعرف البيلاطُسيين الذين يغسلون أيديهم من دم لبنان، وأن نعرف القَيافاويين الذين يطلقون أحكامهم على الوطن بالموت إرضاءً لمراجعهم، وأن نعرف البطرسيين الذين يخونون الوطن ثلاثين مرة ثلاث مرات قبل صياح الضمير.
بك نرحّب أيها العام الجديد، إنما لا بدون غضب. فليكنِ الغضبُ درعَنا الواقية لا للهجوم على أحد بل للدفاع الوقائي عن لبنان حين تأزف الساعة.
وإنها آتيةٌ هذه الساعة، أيها العام الجديد، حين يَخلعُ الغضبُ أقنعةَ اليوضاسيين وينْزعُ قفازاتِ البيلاطسيين فيذهبُ اليوضاسيون إلى التينة اليابسة، ويذهب البيلاطُسيون إلى البلاطات اليابسة، فلا نقول بعدها “كلَّ عامٍ وأنتم بِغضَب” بل يعودُ لنا أن نتبادل في اليوم الأول من العام المقبل: “كلَّ عامٍ وأنتم بخير”… “كلَّ عامٍ ولبنان بخير”.