الحلقة 458: نحن في الحصار والناس في موزار
(الأربعاء 28 كانون الأوّل 2005)
تَحتل أغلفةَ المجلات الأسبوعية الراقية في أوروبا هذا الأُسبوع صورةُ العبقري الخالد موزار، لِمناسبة الذكرى المئتين والخمسين على ولادته سنة 1756، وتسابقت تلك المجلات في الكشف عن جديد من موزار، نوتاتٍ موسيقية أو رسائلَ خاصة أو معلوماتٍ جديدة أو لُمَحاً غير معروفةٍ عنه بعد، وفي جميعها صفحاتٌ مسهَبَةٌ من نصوص وصور وتعليقات وتحقيقات كتبها محترفون كبار في هذا المبدع الذي كتب مقطوعته الأولى في الخامسة من عمره، وغاب عن الحياة بعدها بثلاثين عاماً، بوفاته سنة 1791 عن خمسة وثلاثين عاماً تمكن خلالها من تأليف نحو ستمئة مقطوعة موسيقية هي اليوم في التداول على برامج معظم الأوركسترات الكبرى في العالم.
وحين نعرف أن هذه المجلات تطبع أسبوعياً مئات آلاف النسخ، ندرك أن ملايين القراء في أوروبا هذا الأُسبوع يقضون وقتهم مع هذا المؤلف الموسيقي الفريد في تاريخ الموسيقى العالمية.
هذا في أوروبا. وعندنا؟ كيف يقضي المواطنون وقتهم؟
عندنا يتابعون نشرات الأخبار، يتنقلون من برنامج”توك شو” إلى آخَر، يصغون إلى هذا السياسي ويستمعون إلى تصريحِ آخَر، ومَن اجتمع مع مَن، ومَن يهاجم مَن، ومَن تصالَح مع مَن، ومَن زار مَن ومَن سيزور مَن، ويتقوقع مواطنونا اللبنانيون في قعر البئر تحت الأرض، والعالم يمشي فوق الأرض متقدماً إلى مستقبله وتثقيف أَبنائه وجيله الجديد، ولبنان غارق في قرقعةٍ سياسيةٍ الهائية، يذبح اللبنانيون أمامها سنواتِ عمرهم في متابعة وضع سياسي لا يتحكَّم به حتى الذين يوهمون الناس عندنا أنهم أَسياده.
الله الله! أين العالم وما يجري في العالم، وأين شعبنا وبماذا يتلهى ويذبح عمره وعلى مَن يقضي ساعات إصغائه ومشاهداته؟
بلى: لبنان اليوم محاصرٌ شعبه بالهيات عابرة زائلة زائفة، والعالم يتهيَّأُ للاحتفال طوال 2006 بسنة العبقري الموسيقي الخالد.
لبنان في الحصار، والعالم في موزار.
فيا هنيئاً للعالم، ويا تعسَ ما في لبنان.