الحلقة 444: لبنان أوَّلاً: فتتوقف هجرة الشباب
(الخميس 3 تشرين الثاني 2005)
مع فرحنا بهذا الفطر السعيد اليوم، يحزننا أن لا يزال لبنان يعاني من النزف المتواصل في هجرة شبابه وأدمغته، فيما المراجع المعنية تعالج هذه الهجرة بكلمات أقربَ إلى الشعر واستدرار العاطفة الوطنية دون خطوات عملية تقنع الشباب بعدم الهجرة.
ما المطلوب للعلاج؟ ألاّ يعود لبنان ساحةً مفتوحةً للمبارزات المحلية والإقليمية والدولية، بل أن يستقر وطناً محصَّناً منيعاً ضد جميع الثغرات الاختراقية التي يسببها عادةً بعضُ أهل البيت بحكم انتماءاتهم لغير لبنان.
بعدما ثبُتَ بالوقائع التاريخية أن لبنان فَخٌّ ودوامة ودهليز لضحايا قاربوه بنوايا سيئة فوقعوا في حفَر حفروها للّبنانيين، وبعدما تبيّن أن لبنان لا يمكن أن يكون ورقة ضغط في يد جهة تنفّذ به مصالحها مآربها السياسية وأطماعها التوسعية، وبعدما اتّضح أن الذين، من الساسة اللبنانيين، كانوا يستظلون سقفاً آخر غيرَ لبنان خَفُتَ صوتُهم أو اختفى حين انزاح عنهم ذاك السقف أياً كان هذا السقف ومن أنى أتى، وبعدما تتردَّدت في بالنا عبارات اللبناني الكبير صائب سلام أنَّ لبنان ليس مستشفى توليد تحبل خارجه الأفكار والمخططات وتأتي لتلد فيه خططاً ومؤامراتٍ مستفيدةً من مناخ الحرية والديمقراطية، بقي أن يعود لبنان الحقيقي إلى لبنان أبنائه: كياناً ميثاقياً متيناً يبنيه لا رجال سياسة مصلحجيون بل رجال دولة مخلصون يعملون لمصلحة الدولة لا لمصالحهم، ويخططون لا لمستقبلهم السياسي بل لمستقبل أبناء لبنان، عندها يشعر شبابُنا أنْ أصبح لوطنهم دولة، بعدما كانوا يشعرون أنْ كان لدولتهم أوطانٌ فصَّلها سياسيون على قياس انتماءاتهم لغير لبنان وولاءاتهم لغير لبنان واستزلامهم لجهات خارجَ أربعِ جهات لبنان.
هذا الشعور ببناء دولة “لبنان أوّلاً” خطوة أولى لتحويل شبابنا من توجّههم نحو أقرب سفارة، إلى بقائهم في لبنان والإسهام في بناء لبنان بالمشاركة مع رجال دولة مخلصين لا مع رجال سياسة مصلحجيين.