الحلقة 443: لبنان أوَّلاً: الولاء قبل الوفاء
(الأربعاء 2 تشرين الثاني 2005)
لا يظُنَّنَّ المستمع أنَّ “لبنان أوَّلاً” يعني الانغلاق عن المحيط أو البيئة أو المدى الحيوي أو الاقتصادي أو السياسي للبنان. فلبنان لا يمكن أن يكون جزيرةً معزولة عن محيطها وبيئتها المائية أو البرية. كلُّ عزلٍ يقتل لبنان، وكل انعزال يقطع لبنان عن أوصاله وشرايينه وامتداده الأفقي والعمودي.
غير أنّ الامتداد أمر، والانفلاشَ إلى تيارات على حساب لبنان: أمر آخَر. نفهمُ أن يكونَ لأيِّ مواطن وفاءٌ لإيديولوجيا أو تيارٍ أو حزبٍ أو عقيدة، إنما شرطَ أن يكون له ولاء أولاً للبنان ومن بعده لأيِّ وفاء إيديولوجي يشاء، وشرطَ ألاّ يكون هذا الوفاء على حساب ولائه للبنان.
لكلُّ فرنسيٍّ أو ألمانيٍّ أو إيطاليٍّ أو سويديٍّ وفاءٌ لحزبٍ أو لآخَر، لعقيدة أو لأُخرى، إنما هذا الفرنسيُّ أو الألماني أو الإيطالي أو السويدي يقول “وطني أولاً” ولا يقدِّمُ أوروبا على فرنساه أو ألمانياه أو إيطالياه أو سويده بحجة الانتماء إلى المحيط الطبيعي، مع أن أوروبا انتظمت في اتحادٍ بعضُ مفاعيله توحيدُ العملة إلى اليورو بين تلك البلدان، وتوحيدُ تأشيرة الدخول إلى أكثرَ من دولة أوروبية.
ولكلِّ غانيٍّ أو غينيٍّ أو سنغالي وفاءٌ لحزبٍ أو عقيدة إنما يقول “غانا أولاً” أو “غينيا أولاً” أو “السنغال أولاً” قبل أن يقول إنه أفريقي، بحجة الانتماء الطبيعي إلى المحيط الأفريقي.
ولكلِّ أميركيٍّ وفاءٌ لحزبه الجمهوري أو الديمقراطي لكنه لا يقدم وفاءه لحزبه على ولائه لأميركا، ويظل يقول “ليحفظِ الله أميركا” قبل أن يقول “ليحفظِ الله حزبي”.
الأمثلة كثيرةٌ ودامغة، ولا تنقصنا الشواهد. ما ينقصنا: الاتعاظ من العالم وكيف يكون الولاء للوطن قبل أي انتماء إلى خارج هذا الوطن.
من هنا: ليكنْ مبدأُنا “لبنان أوّلاً”. ففي هذا المبدإ بداية خلاصنا من تعدد الولاءات.