الحلقة 445: لبنان أوَّلاً: من الفخ والساحة إلى تكريس المساحة
(الجمعة 4 تشرين الثاني 2005)
قيل إنه “أصغرُ من أن يُقَسَّم وأكبرُ من أن يُبتلَع” وقاله البابا يوحنا بولس الثاني “أكبرَ من وطن: إنه رسالة”، وقال أحد كبار زعمائه: صائب سلام: “إرفعوا أيدي السياسيين عن الشعب تجدوا اللبنانيين يتعانقون بكل محبة”، وقال فؤاد حدَّاد (أبو الحن) “لبنان ليس قطعة جغرافية بل مساحةٌ روحية”.
لهذه الأقوال، وسواها الكثير، علامةٌ واحدة: لبنان وطن أُعجوبي فريدٌ بقدَره وتاريخه. فقدَرُه أثبت أنه كلُّه صخورُ نهر الكلب تتكسَّر عليها مطامحُ الغزاة ومطامعُهم، وتاريخه أثبت أنه فَخٌّ مقنَّعٌ لكل طامعٍ وغازٍ ومحتلٍّ ومنتدِب منذ أول التاريخ مروراً بمنعطفات التاريخ السحيقة والوسيطة وصولاً إلى الحقبة المعاصرة منذ السلطنة العثمانية إلى الانتداب الفرنسي إلى التجاوزات الفلسطينية إلى هيمنة السنوات الثلاثين الأخيرة.
فخٌّ مقنَّعٌ هذا اللبنان، يظنه الطامعون سهل الابتلاع أو الرضوخ، فإذا شعبه يقول “لا” وتنقلب هذه الـ”لا” على الطامعين مهما طال احتلالهم. فلبنان تَحوَّل أحياناً ساحةً للغرباء بتواطؤ بعض اليوضاسيين والملجميين الداخليين من أبناء البيت لغاياتٍ سياسيةٍ أو منصبيةٍ موعودةٍ ثمناً لتواطؤهم أو خيانتهم فاستغلوا سلطة المحتلين وتصرفوا على أن الدولة مزرعـةٌ لهم ولمحاسيبهم وأزلامهم.
وطالما يعطى لبنانُ رجالَ دولةٍ يتصرَّفون على أنهم هم ملك الدولة، يصحو المتواطئون الداخليون فيعودون إلى الصف الوطني اللبناني فينهض الوطن ولا يعود لبنان للغرباء ساحة بل للاقتداء مساحة تتكرّس مقدسة لأبنائها، يعمل لها المقيمون وينهض لها المغتربون حين يجدون حسياً أنها باتت مساحة وطنٍ قويٍّ متماسكٍ منضبطٍ مُحْكَمِ الإغلاق على كل اختراقٍ سياسي. عندها لا يعودُ في لبنان إلاّ صوتٌ منقذٌ واحدٌ وحيد:”لبنان أولاً وأخيراً وبين بين”.