الحلقة 414: من قِمَّة الحضارة إلى قُمَّة الفوضى
(الخميس 22 أيلول 2005)
الآتي من الخارج، أياً تكن قصيرةً مدةُ غيابه، وأنى تكن بعيدةً أو قريبةً مسافة غيابه، يرتطم بمشاهد في لبنان تطيح كل رفاهٍ كان يعيشه في الخارج، وتثير فيه السؤال الثائر: لماذا عندنا ليس الأمر كذلك؟
من بدائية الطرقات إلى غياب رجال السير إلى الأوساخ في الطرقات إلى قلة أخلاق السائقين في التجاوز الزيكزاكي وفي المرور على الضوء الأحمر وفي رمي نفاياتهم من نوافذ السيارات، إلى الفوضى في الأبنية وبشاعتها، إلى أمورٍ كثيرة لا مجال لتعدادها ومصدرها واحد: غياب هيبة الدولة على الطرقات.
وما سبب هذا الغياب؟ الوضع السياسي المضطرب؟ شو يعني؟ في كل بلدان العالم وضع مضطرب لكنّ الحياة اليومية سائرة بانتظام: الموظَّف يقوم بوظيفته، البوليس ليس خيال الكروم، الإدارات تعمل، المصالح، المؤسسات العامة، الدوائر الحكومية، وكل جهة تقوم بدورها وواجبِها بصرف النظر عما يطبخه السياسيون.
وإذا كانت الموضة عندنا ألاّ يطْلِعَ الوزير الرأي العام على نشاط وزارته لانصرافه إلى التصاريح السياسية والحفلات والكوكتيلات والبروتوكولات والرعايات، فما دور المدير العام وهو رئيس الهرم الإداري لتسيير الوزارة وظيفياً ولوجستياً؟ فلماذا لا يهتم المدراء العامون ورؤساء المصالح والدوائر بشؤون الناس اليومية ومصالحهم المعيشية والبنية التحتية وهذه كلُّها لا يجب أن تتأَثَّر بوضع سياسي، ولا علاقة لها بكل ما يجري من خضات سياسية في البلاد؟
من كبرى مشاكلنا أنّ الموظفين تسيّسوا: فساعات دوامهم مناقشات الوضع السياسي والاصطفافات السياسية الفئوية المحسوبية العشائرية، وأصبح الوضع السياسي السَّيِّئ يؤثِّر حتى على تزفيت طريق أو جباية فواتير أو تحسين وضع صحي أو اجتماعي أو تربوي، وهذه مأساة كبرى جعلت جُلَّ اللبنانيين فئران مختبرات بإدارة “بيت بو سياسة”.
أوجع ارتطام لمن يكون في الخارج ويعود إلى لبنان: وقوعُه قرفاً من قِمَّة الحضارة في الخارج إلى قُمَّة الفوضى في لبنان.