الحلقة 408: بين طائرتين وثلاثة مطارات
(الأربعاء 14 أيلول 2005)
قبل أن أصل بعد قليل إلى بحيرة الليمون في فلوريدا، منآي المؤَقَّت السابق، وصلتُ هنا إلى مطار ديترويت، ثالثِ مطارات ثلاثة بَلَغْتُها بطائرتين. فماذا شاهدت؟
في مطار بيروت رأيتُ حولي ناساً كانوا، بانتظار موعد إقلاع الطائرة، يتحدّثون في السياسة وينظّرون في السياسة ويتكهّنون ويعطون آراءَ وتحليلاتٍ حول التحقيقِ الدولي ونتيجةِ التحقيق ومَن مشْتَبَهٌ به ومن متّهَم، واستمر الأمر هكذا حولي في الطائرة من بيروت إلى أمستردام.
في مطار أمستردام رأيتُ حولي ناساً كانوا، بانتظار موعد إقلاع الطائرة، يقرأون، ولا يهدُرون الوقت بالحكي. وفي الطائرة كذلك من أمستردام إلى هنا في مطار ديترويت، رأيتُهم يقرأُون، على آذانهم سمّاعات مقعد الطائرة يصغون إلى الموسيقى، وهم يقرأون أو يعملون على كومبيوتْرهم المحمول. وهنا، ثالثاً، في مطار ديترويت ها هم حولي ينتظرون مواعيد طائراتهم، ويقرأُون.
أعرف أنني لم أقل جديداً. فكلُّ لبناني يسافر يرى الناس يقرأون. في المطار يقرأون. في الطائرة يقرأُون. ويوجعني أن أرى معظم شعبَنا، كفئران المختبرات، شعبَ مختبرات سياسية: يهدر وقته في السياسة: مناقشاتٍ وتنظيراتٍ واصطفافات، ووقته يمر، بل عمره يمر، وهو غارق بالثرثرة في مستنقعات السياسة اللبنانية.
لكلِّ شعبٍ في العالم همومُ بلده السياسية، لكنه ينصرف إلى اهتماماته ومتابعة أعماله وهواياته، ولا يصرف عمره بالتنظير السياسي في مقاهي الأرصفة والسهرات والاجتماعات والمطارات والطائرات.
أعرف أنني أبدو سلبياً في فضح مثالب شعبنا. لكنّ السرطان لا يُشفى إن لم نكتشفه، والشفاء من المرض يكون أوّلاً بتشخيص هذا المرض. وفي شعبنا سرطانٌ جَماعيّ اسمه التنظير السياسي.
كنتم معي من مطار ديترويت، وغداً تكونون معي في فلوريدا. فإلى حلقة الغد. إليكم بيروت.