409: بين منكوبي كاترينا ومنكوبي سياسيينا

الحلقة 409: بين منكوبي كاترينا ومنكوبي سياسيينا
(الخميس 15 أيلول 2005)

في الطائرة من ديتروْيْت إلى أورلاندو فلوريدا، كان مستغرباً أن تقول المضيفة إنّ الطعام في الطائرة سيكون مدفوعاً، فيما المألوف أنه مجاني. لكنها أردفت أن الوجبة ببدل رمزي من دولار واحد مساعدةً لمنكوبي إعصار كاترينا في نيوأورلينْز. وساهم الجميع باقتبال.
وبوصولي إلى بحيرة الليمون في فلوريدا، ألفيتُ جميعَ محطاتِ التلفزيون، مَحلِّيِّها والوطني، تبثُّ حفلاتٍ غنائيةً لأشهر نجوم أميركا، مع ثابتة في أسفل الشاشة تشير إلى العنوان الإلكتروني لمركز فرق الإنقاذ ولمركز الصليب الأحمر مستقبلَي التبرعات لمنكوبي الإعصار. وكان عدّاد في زاوية الشاشة ينقل تباعاً إلينا الرقم المتزايد من آلاف إلى ملايين الدولارات المدفوعة تدريجياً من حسابات بطاقات الائتمان لمواطنين من الولايات المتحدة وخارجها.
ولفتتني في تجوالي بين مدن فلوريدا هذين اليومين لافتاتٌ على سيارات التاكسي والباصات بعبارة “ساعدوا منكوبي إعصار كاترينا في نيوأورلينْز”، كما لفتتني في الصفحات الأولى من الصحف المحلية والوطنية هنا حصيلةٌ يومية لما تبلغه أموال المساعدات.
الشاهد من هذه المشاهد: تضامُنُ الشعب الأميركي كلِّه مع منكوبي بعضه، بمساعداتٍ تنهال سخيةً بدون تَمييز عنصري أو فئوي أو مناطقي أو حزبي أو سياسي أو ديني أو مذهبي أو عقائدي أو إيديولوجي. وهو ما نفتقده عندنا بسبب كوارثنا السياسية التي تقسم شعبنا فئاتٍ واصطفافاتٍ وأحزاباً، وموالَياتٍ لهذا أو ذاك من “بيت بو سياسة”، ما يرسم لنا في الخارج صورةَ تخلُّفٍ سياسي أو قُصورٍ رشديٍّ ليسا أبداً في أصالة شعبنا الذي يصرخ جلُّه يومياً: “أين صار العالم اليوم؟ وأين نحن من العالم”؟
وماذا بعد من مشاهداتي هنا؟ نكمل غداً.
كنتم معي من بحيرة الليمون في فلوريدا. إليكم بيروت.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*