الحلقة 386: تَخَرَّجُوا من الجامعة لا من الوطن
(الاثنين 15 آب 2005)
مع انتصاف هذا الشهر، اليوم، اكتملت احتفالات التخريج التي أحيتها الجامعات العاملة في لبنان.
ونظرة سريعة إلى أعداد المتخرجين هذا العام، تجعلنا نخاف مرتين: أُولى لِمصير هؤلاء الآلاف من المتخرجين بعد تخرجهم، وكم واحداً منهم سيجد له عملاً أو منصباً أو وظيفةً في لبنان، بإزاء آلاف لن يَجدوا عملاً وسيَحملون ما خفّ من أمتعتهم ويطيرون إلى أول بلد حصلوا على تأْشيرة دخول إليه، أو سوف يبقون في وطنهم عاطلين عن العمل، أو متسكعين في وظائفَ أو أعمالٍ بغير اختصاصهم الجامعي. وخوفنا الآخَر، ولعلّه الأدهى: هؤلاء الآلاف المتخرجون من لبنان ماذا يعرفون عن لبنان؟ ماذا يعرفون عن تاريخ لبنان؟ عن جغرافيا لبنان؟ عن التقسيمات الإدارية في لبنان؟ عن حقوقهم في لبنان؟ عن واجباتهم المدنية تِجاه لبنان؟ ماذا تعلّموا من التربية المدنية؟ ماذا يعرفون عن المواطنية الصالِحة؟ من أرشدهم إلى السلوك المدني فيعرفون كيف يحصلون على سجلّ عدلي مثلاً، أو إخراج قيد، أو إفادةٍ رسميةٍ ما؟
لا يعرفون. حتماً لا يعرفون. وهذا ما يُخيفنا، أكثر من اصطدامهم بواقع سوق العمل. تَخرّجوا حاملين شهادة جامعية وانتهى الأمر. تَخرجوا متعلِّمين لا مثقفين. تَخرجوا أرقاماً تضاف إلى أرقام العام الماضي والعام الأسبق والأعوام الماضية، وتكاثرَ حَمَلَةُ الشهاداتِ المتعلمون وما أقلّ المثقفين بينهم.
لهؤلاء جميعاً، لبنان ليس سوى فندقٍ يسكنونه طالَما يؤاتي ظروفهم، ويهجرونه حين لا يعود يؤاتي.
أوجع الأخطار على مستقبل الوطن، أن يعتبره أبناؤه فندقاً لا يملكون فيه شيئاً، يغادرونه ببساطة وبسرعة وبدون أسف لأنه لا يعنيهم ولا يَملكون فيه شيئاً.
المتخرجون من الجامعة تَخرجوا من الجامعة لا من الوطن وانتهى الأمر وخرجوا إلى مصيرهم في سوق العمل.
أما الداخلون هذا العام إلى الجامعة، فموعدنا معهم غداً في بعض حديث. فـإلى حلقة الغد.