الحلقة 320 – انتخابيات – الجزء الخامس – صرخة الشعب ليست في واد بل في كل البلاد
(الجمعة 13 أيار 2005)
التقيتُه مساءَ أمس فبادرني: “لا تُتْعِبْ قلبَك وقلمَك بتوعية الشعب وتعرية حقائق المرشَّحين. فالمحدلة شغّالة، والجاروفة شغّالة، والبوسطة شغّالة، والناخبون مُنْجَرّون وراء المحدلة وفي الجاروفة وداخل البوسطة. لا تُتْعِبْ قلبَك بالحَضّ على التوعية، ولا تُتْعِبْ قلمَك برسْم ما يَجب أن يكون، وكيف يَجب أن يكون ما يَجب أن يكون”.
لا… لا يا صديقي المتشائم: أنا متفائلٌ بشعبنا، متفائلٌ جداً. أعرف أنني لن أُغيِّرَ المُعادلة كلَّها ولا أفكارَ الأزلام والمَحاسيب ولا سُلوكيات المرشَّحين. وأعرف أنني أَصرخ في وادي ناسٍ ركَّبوا لوائِحهم ورتّبوا أمورهم وسيمشون كما يريد لَهم “بيت بو سياسة”. لكنني أُؤمن أنّ قلبي سيَظلُّ ينبض بالصَّح وقلمي سَيظَلُّ يَنبض بِما يُمليه عليه قلبي الذي فيه حبٌّ كبيرٌ لشعبنا، وأعرف أنّ في صفوف شعبنا كثيرين يرفُضُون أن يكونوا اصطفافيين في القطيع بل قرارُهم نابعٌ منهم، ويوزّعونه على مَن حولهم فينتشر قرارُهم في البلاد ولا تذهبُ صرختهم في واد.
إلى هؤلاء أنا أتوجّه ، إلى ضميرهم الحُرّ وقرارهم الحُرّ ووعيهم الحُرّ واقتراعهم الحُرّ فلا يُوصِلون إلى المَجلس النيابي الآتي إلاّ فقط: صاحبَ الرأيِ الحُرِّ الطالعِ من شعبه لا المفروض على شعبه.
باسم هؤلاء المتنوّرين أنا أَكتُب وأنبُض وأتكلَّم. فالصَّحّ يُعْدي مثلما الغلطُ يُعدي، والوعي لا بُدّ أن يَبدأ من مكانٍ ما، من صوبٍ ما، من نقطةٍ ما، ولا بُدَّ لهذه النقطة (إن بقيَتْ تنْزِلُ في التكرار نفسه على صخرة صمّاء) من أن تَحفُرَ في هذه الصخرة حُفْرَةً ثم أخدوداً عميقاً، وعندها، يا صديقي المتشائم، تكون صرخةُ شعبِنا توزَّعَت في كل البلاد ولَم تَضِعْ صرخةً في واد.