الحلقة 319 – انتخابيات – الجزء الرابع – لا من أفلسوا بل مَن أخلصوا
(الخميس 12 أيار 2005)
تأتي الانتخاباتُ هذا العام، ولبنانُ يتغيّر من حالٍ إلى حال: فهو خرج من الوصاية إلى الدراية، ومن الهيمنة إلى اللبننة، ومن التبعية إلى الالمعيّة، وبات قرارُه لبنانياً (أو على الأقلّ هكذا يَحلُمُ بل يريد له اللبنانيون أن يكون).
في هذا المُناخ من حرية القرار اللبناني (أقلَّه على مستوى الشعب إذا كان للسياسيين حساباتُهم) يُقْدِم اللبنانيون على صندوقة الاقتراع، وفي يدهم لا لائِحةُ المرشَّحين (كما يريدُها لهم المرشَّحون معلَّبةً جاهزة مفروضةً على الشعب) بل يَحملون لائِحة الحساب، وفي يدهم لا فاتورةٌ يسدّدونها لِمرشَّحيهم المفروضين عليهم بل فاتورةٌ يُسدِّدها المرشَّحون للشعب هذه المرة.
ماذا في هذه الفاتورة؟ ككل فاتورة، فيها جردة حساب. وماذا على رأس الحساب؟ حسابُ الانتماء الذي على أساسه سيَحْكُم الشعب الذي ذاكرتُه لَم تعُد قصيرةً هذه المرة (أو على الأقل نأْملُها أنها لَم تعُد قصيرة). وفي ذاكرة الشعب غيرِ القصيرة، هُوية انتماء هؤلاء المرشَّحين في ربع القرن الأخير.
ويذكر شعبُنا، تَماماً يذكر، كثيراً يذكر، انتماءاتِ كل مرشح خلال ربع قرن من السنوات الأخيرة. وعلى انتماءات هؤلاء المرشَّحين وولاءاتهم للبنان أو لِخارج لبنان، سيبني الشعبُ اللبناني قرارَه هذه المرة فيما هو يُمسك بورقة الأسماء فوق صندوقة الاقتراع.
وسوف يتذكَّر شعبنا إلى مَن كان هذا المرشَّحُ ينتمي مؤخَّراً: أإلى شعب لبنان وأرض لبنان وقرار لبنان، أم إلى آخرين استزلم لهم واستسلم لهم وبَكَّل جاكيتته أمامهم ونكَّس رأْسه أمامهم قائلاً بكل ذُلّ: “أمرَك سيدنا”. وأولئك يعرفُهم شعبنا. يعرفُهم جيداً. يعرف أخبارَهم الخاصة والعامة، الشخصية السرّيّة والغيرية المُعلَنة، وسوف يتذكَّر ماضيهم القريب عند وقوفه مقترعاً يوم الانتخاب.
فَمن كان منتمياً إلى لبنان وشعبِ لبنان وكرامةِ لبنان، له أصواتُ شعبِ لبنان. ومن كان صوتَ أسياده شرقاً وغرباً، فلْيَبْقَ ملتحقاً أو ملْحقاً بأسياده أينما كانوا، شرقاً وغرباً، لأنه، بعد اليوم، لا مكانَ له ولأمثاله في عرس لبنان.