315: تمثال الشهداء من 6 أيار إلى 14 آذار

الحلقة 315 – تمثال الشهداء من 6 أيار إلى 14 آذار
(الجمعة 6 أيار 2005)

كان اسمها ساحة البرج. ثم صار اسْمُها ساحةَ الشهداء. ومؤخراً صار اسْمُها ساحةَ الحرية.
كان رمزُها يعيدُ إلى 6 أيار ومؤخراً بات رمزُها يعيد إلى 14 آذار.
وبين 6 أيار 1916 و14 آذار 2005، رمزٌ واحد: تمثالٌ واحدٌ يعني حريةَ لبنان اللبناني، متحرراً من كلِّ انتدابٍ واحتلالٍ ووصايةٍ وهيمنةٍ وحضورٍ سياسيٍّ أو عسكريٍّ غير لبناني.
جاء وقتٌ، لم يعُد تمثال الشهداء يلفت اهتمام اللبنانيين جماعياً إلاّ نهارَ عيد الشهداء في 6 أيار حين كان يَجري أمامه احتفال رسميٌّ وبعضُ شعبيٍّ يوم ذكرى الشهداء في 6 أيار. ومع بدء الحرب الآخرينية في لبنان، واشتعالِها في ساحة البرج أو ساحة الشهداء، تَحَوَّل تمثال الشهداء إلى هدفٍ للقناصين ومَحطّاً لِمدافعَ وقناصين وقذائفَ نَخَرَتْهُ فتشوَّه نَحتُه الناشبُ في الهواء وإن لَم يتشَوَّه رمزه العالي.
وتَمّ نقلُ التمثال، إنقاذاً له، من ساحة الشهداء إلى باحة جامعة الروح القدُس (الكسليك) سنواتٍ طويلةً خلال الحرب الآخرينية في لبنان، حتى عاد إلى ساحته وقاعدته قبل أشهر قليلة، وأُعِدَّت له قاعدةٌ جديدة وباحةٌ حوله لائقةٌ جديدة، استعداداً لعودة السيَّاح إليه والزوّار والمواطنين، فيعود تِمثال 6 أيار رمزَ ساحة الشهداء.
غير أنّ زلزال 14 شباط غيَّر كل المعادلة، فإذا حدَّ التمثال ضريْحٌ مزار، وإذا الساحة في نهار 14 آذار المليونِيّ تتحوّل على الشفاه من ساحة الشهداء إلى ساحة الحرية.
وبين رمز 6 أيار الآتي إلينا من 1916، ورمز 14 آذار الطالع من 2005 بِكل ما يعنيه هذا الرمز من انتفاضة الاستقلال الحقيقية، علامةٌ واحدةٌ لأجيالنا المقبلة، نتركها لهم عِبرةً ترفع عنهم عَبرة، عِبرة العناد اللبناني في رفض كل يدٍ على رأس لبنان، كي لا تنحدرَ على خدِّ لبناني واحدٍ عَبرةٌ واحدةٌ ندماً على فقدان الوطن.
وإذا كان رمز 6 أيار انتفاضة اللبنانيين ضد المحتلّ الأجنبي، العثماني يومها والمُتَعَثْمِن بوجوهٍ عديدةٍ بعدها، فإن رمز 14 آذار لا ينتفض ضد المحتلّ الخارجي الطارئ وحسْب، بل ضدَّ رموز هذا المحتلّ بين أهل الحُكْم في لبنان، مَن ساروا في ركاب المحتلّ ضد شعبهم ووطنهم وكرامة لبنانهم ليحافظوا على مركزهم أو نيابتهم أو وزارتهم، ولو كلّفهم ذلك أن “يَتَيَوْضَسُوا” (أي أن يكونوا أحفاد يوضاس الخائن). لكنّ انتفاضة 14 آذار أطاحتهم كما أطاحت أسيادهم الخارجيين.
ومثلما في 6 أيار 1916 تكوكبت المشانق في ساحة البرج فحوّلتْها ساحةَ الشهداء وانتصب في وسْطها تمثالُ الشهداء، هكذا تكوكبَت مشاعلُ الحرية في 14 آذار 2005 حول تمثال الشهداء فلم يَعُدْ رمزاً قديماً تقليدياً من الذاكرة، بل رمزاً حياً دائماً من ذاكرة المستقبل، لتظاهرةٍ مليونيةٍ غيَّرت تاريْخ لبنان الحديث، بشهادة تمثال الشهداء الذي بات بعد اليوم، وحَدَّه الضريح المزار، جناحَي فينيقِ لبنانَ جديدٍ نسلِّم شعلته إلى أجيالنا المقبلة حراً لائقاً بتردُّدات ساحة الشهداء في 6 أيار تَحوَّلت في 14 آذار ساحة الحرية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*