الحلقة 314 – فَلْنَقْرأْ لبنان كما يقرأُه باسكال مونان
(الخميس 5 أيار 2005)
بين يديّ كتابٌ ضئيلٌ حجمُهُ كبيرٌ فعْلُهُ تَماماً كلبنانَ الضئيلِ المساحةِ الكبيرِ الفعْل، هو كتابُ “أفكارٌ من أجل لبنان: المحاسبَةُ بابُ الحرّيّة” للبروفسور باسكال كلود مونان، صادرٌ عن “دار النهار” التي لَم تَعُد دارَ نشرٍ استهلاكيةً بقدْرِما أصبحَت دارَ رسالةٍ لبنانيةٍ عاملةً على نشْر كلِّ ما يؤسِّس للبنانَ الجديدِ المولودِ من رحِم الحرية.
باسكال مونان (الذي نتابعه من مقالاته المعمَّقة والمعمِّقة في “النهار”، ومن مشاركاته في “صوت لبنان” مُحلِّلاً قارئاً عمْقياً وضعَ لبنان اللبناني) يُمَدِّدُ في خمسة أبواب هذا الكتاب شاشةً جليَّةً للبنان، بدءاً من “المحاسبة مسارٌ تاريخي” مروراً بـ”ثقافة الفساد” و”رحلة التَّحَرُّر” وصولاً إلى الباب الأخير “حتى يعودَ لبنان”.
يلفت في الكتاب افتتاحُهُ بعبارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى شباب لبنان في 10 أيار 1997 يوم قال لهم في حريصا: “إنّ للشدّة وقتاً كما يومَ الجمعة العظيمة، وللنور وقتاً كما يومُ الفصح شهد انتصار الحياة على الموت. وإنّ كلّ شيءٍ في لبنان يُمكنُ أن يتغيَّر”. ويلفت في الكتاب اختتامُه بعبارة الرئيس فؤاد شهاب قالها قبيل وفاته: “الزعماء السياسيُّون مستمرُّون في اعتبار الدولة بقَرة حلوباً، لا يهتمُّون إلاّ بِمصالحهم الشخصية أو الطائفية أو الإقليمية، ولا يشعرون بأن الأرض تحتهم تتحرّك. وسوف يستيقظون يوماً ليفاجَأُوا حولهم بالثورة في كل مكان”.
كما يلفت كلامٌ للبروفسور مونان من هذا المناخ في “النهار” (16 نيسان 2005) جاء فيه: “يَجري التاريخ هذه الأيام أمامَ عيون اللبنانيين، ساعاته أيامٌ، أيّامه شهورٌ، وشهورُه سنوات. وربّما سنة 2005 تَحمل إليهم ما لَم تَحملْه عقودٌ طويلةٌ، فتكونُ واحدةً من تلك المحطات التي تعبُرُ فيها المجتمعات من زمنٍ إلى زمن، فتصبح الساحاتُ خريطة الوطن، وصيحاتُ المعتصمين والمتظاهرين أنشودةَ المستقبل، ويهرَعُ المؤرّخون إلى أقلامهم كي يُدوّنوا ويُسَجّلوا. وبِهذا المعنى لَم تَعُد ساحةُ الشهداء قلبَ بيروت وحسْب بل قلبَ الغدِ النابض” (انتهى الاستشهاد).
كم رائعٌ هذا الكلام! ولا أَقولها انفعالياً ولا انطباعياً ولا مُجاملَةً، بل صحوةً وجدانيةً على لبنانيين شبابٍ واعين عُمْقِياً قَدَر لبنانَ العظيمَ الماضي والمستقبَل، وواعين تقصيرَ معظم “بيت بو سياسة” في جعلِ لبنانَ الرسميِّ على مستوى قدَره العظيم، وعلى مستوى قدُرات أبنائه العظيمة في جعله يُحقِّق مقدَّراتِه المبدِعَةَ الخلاّقة في كل حقل واختصاصٍ وميدان. فلبنانُ الحقيقي ليس في صورة حكّامه بل في قلوب أبنائه المخْلصين ونواياهم وعقولهم وقدُراتهم العلمية والأكاديمية والإبداعية الخلاّقة.
ولعلّ قلْبَ القلْب في كتاب البروفسور باسكال مونان “المحاسبة بابُ الحُرية” قولُه: “ما يُميِّز المجتمعَ الحُرَّ الديمقراطيّ أنه يراقِبُ ويُحاسِب. هكذا، مع المُحاسَبة، يبات القانون هو السقف، ويرتَجف السياسيون، حتى السياسيون، في حضرة القاضي”.
كتاب البروفسور باسكال مونان “المحاسبة بابُ الحُرية” فلْنجعلْهُ مرآةً لنا، نتمرْأَى فيه كي نرى كيف المجتمعُ الديمقراطيُّ حاسَبَ ريتشارد نيكسون واستقالَهُ، وكيف راقبَ بيل كلنتون وحاكمَهُ، وكيف عندنا لن يكون لبنانُ ديمقراطياً حتى تعودَ إلى قوس المحكمة رهبةُ القانون وحتى يعودَ القاضي، بِمطرقته، الحُكْمَ والحَكَم والحاكِمَ الذي لا يُرَدُّ حكمُهُ لأنه من عدْل الله.
باسكال مونان، منك نتعلَّم الكثير. شكراً لك.