285: فليكن موته حياة لطالبيها

الحلقة 285: فليكن موتُهُ حياةً لطالبيها
(الجمعة 25 آذار 2005)

أيتها الأُم الحزينة، وتشعرُ أنْ لن يكون لها عزاء، أيتها الأُم التي تنوح وتظنُّ أنها متروكةٌ ومهملَةٌ وليس من يعزّيها، قومي من حزنِكِ الغامر، وتطلّعي حولَكِ إلى أبنائكِ الرائعين، طلعوا من حزنكِ الفاجعيّ ليُطلعوكِ إلى القيامة.
أيتها الأُم الحزينة، يا أرضَ لبنان، طويلاً كان حزنُكِ الفاجع، كثيراً كان نُواحَكِ على أبنائك الطيّبين تشاهدينهم يسقطون شهيداً شهيداً، بليغاً كان صمتُكِ وأنتِ تغرقين في نُواح النائحين وبكاء الثكإلى واليتامى والخائفين.
أيتها الأُم الحزينة،يا أرضَ لبنان، يا حاملةَ المنديلِ عن جميع اللواتي لبسن الحِداد على غالٍ وفقيد وشهيد، علّي منديلَكِ إلى فوق، إلى فضاء الأمل وسماء الرجاء، فالأمل لم ينكسِر كما تظنين، والرجاء لن ينكسر لأنه طالع من الإيمان.
أيتها الأُم الحزينة، يا أرضَ لبنان، الراكعةَ على قدم صليبٍ يتناوب في صلب أبنائكِِ عليه يهودُ الداخل ويهودُ الخارج، قومي من حزنكِ الدهري، لأن قيامة آبنائك آتية.
أيتها الأُم الحزينة، يا أرضَ لبنان، من داخل حزنكِ والفجيعة، تطلّعي حولَك عبر دموعِك الحافية، وانظري كم ستتكاثر حولَكِ التيناتُ اليابسة يتعلَّق عليها اليوضاسيونَ الخَوَنَةُ الذين باعوا ضميرهم بِمركز أو نيابة أو وزارة فتنكّروا لكِ، يا أمهم المطعونة، وأداروا وجههم صوب من اشتراهم عبيداً نَخاسين، لكنهم اليوم باتوا منبوذين حتى من أسيادهم، وإذا صحا في أحدهم ضميرُهُ المباع عند صياح الديك، لن يَجد مكاناً له إذا عاد إلى حضنك الذي لن يغفر له لأنه ليس الابنَ الشاطرَ تستقبلينه بفرح، بل هو الابنُ العَقوقُ الذي لا مكان له بين إخوته في حضنكِ الأُمومي.
أيتها الأُم الحزينة، يا أرضَ لبنان، كان لا بُدَّ أن يكونَ كلُّ الذي كان، حتى تكون القيامةُ ويكون الخلاص.
أيتها الأُم الحزينة، يا أرضَ لبنان، كان لا بُدّ أنْ تشهدي اليوضاسيين والقيافاويين وتُجارَ الهيكلِ الذين باعوا الهيكلَ لأسيادهم الطارئين، لكن أبناءك انتفضوا، في قلب عاصمتكِ بيروت انتفضوا، ودحرجوا الحجر عن قبر الوطن، ليخرجَ الوطنُ من موته السريري، فيكونَ اليوم الثالث، وتكونَ قيامةُ الوطن.
أيتها الأُم الحزينة، يا أرضَ لبنان، طوبى لهم، أبنائِك الشهداء، انزرعوا في حضنكِ حُبوبَ قمحٍ كي تتسنبلَ الأجيالُ الجديدة وتتبيدرَ البطولة في تاريخ لبنان الجديد.
أما ابنُك الذي سقط شهيداً في 14 شباط، وزلزلَ بِموته صحوةَ الضمير فانتفض الضمير يَحمل السوط ويدخل على الهيكل يطرد التجار والمرابين، فإن سقوطه كان العلامةَ لانتفاضة لبنانَ النهائية حتى يكونَ فجرُ القيامة.
أيتها الأُم الحزينة، يا أرضَ لبنان: ابنُك الذي سقط شهيداً في 14 شباط، لعلّه أراد – باستشهاده – أن يكونَ موتُهُ حياةً لطالبيها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*