286: من لبنان 1975 إلى لبنان 2005

الحلقة 286: من لبنان 1975 إلى لبنان 2005
(الاثنين 28 آذار 2005)

خمسة عشر يوماً بعد، ويكون 13 نيسان.
خمسة عشر يوماً بعد، وتكون مرّت ثلاثون عاماً. الله! كم تغيَّر لبنان في ثلاثين عاماً.
لبنان 1975: هَزّةٌ بسيطةٌ، إطلاق نار على باص، واندلعت الشرارة.
لبنان 2005: حدث جلل، انفجار في موكب، واندلع الزلزال.
لبنان 1975: أجواء وتصاريح شحن سياسية وطائفية، وتفسخت الخارطة اللبنانية إلى “غيتُوَات” متفسّخة.
لبنان 2005: أجواء وتصاريح شحن سياسية وطائفية، وتماسكت الخارطة اللبنانية إلى لبنان واحد موحّد.
لبنان 1975: بعضُ زعماء الطوائف والأحزاب والشوارع والأحياء والزواريب ينجرّون فيَجرون وراءهم مَحاسيبهم وأزلامهم إلى موزاييك سياسي ومناطقي وحزبي وعسكري، فيشحنون اللبنانيين ضد اللبنانيين.
لبنان 2005: أدرك اللبنانيون أين قادهم بعضُ زعماء الطوائف والأحزاب والشوارع والزواريب، فلم ينجرُّوا هذه المرة وراء أحد، وتماسكوا طائفةً واحدة وحزباً واحداً وشارعاً واحداً وساحةً واحدةً، واندفعوا نهراً بشرياً هادراً إلى غاية واحدةٍ وحيدة: لبنان اللبناني.
لبنان 1975: السياسيون في الطليعة، وأبناء الشعب يدعمونهم ويتبعون.
لبنان 2005: الشعب في الطليعة، والسياسيون وراءه يدعمونه ويتْبعون.
لبنان 1975: خوفٌ ورعبٌ في المواطنين، وهجرة وتهجير، ويأس وإحباط.
لبنان 2005: تصميم وإرادة لدى المواطنين، صلابة في مواطنيَّتهم، ودعوة إلى التشبُّث بأرضهم في أرضهم وعلى أرضهم.
لبنان 1975: أقل بادرة مغْرِضة تقيم اللبنانيين في مواجهة بعضهم البعض.
لبنان 2005: أقوى قدرةٍ مغرضة لم تستطع (ولن تستطيع بعد اليوم) أن تَجعلَ اللبنانيين في مواجهة بعضهم البعض، بل على العكس: في مُخاصرة بعضهم البعض، ومكاتفة بعضهم البعض، ومعانقة بعضهم البعض من أقصى عكار إلى أقصى الجنوب، ومن أعلى الجبل إلى أدنى الشاطئ، ولا قوةَ بعدَ اليوم تفصُل بينهم وتفرِّق بينهم وتباعد بينهم، بعدما زلزال 14 شباط وحَّدهم كتلةً واحدةً ضدّ كل طارئ وكل مغْرض وكل يوضاس داخلي وخارجي.
خمسة عشر يوماً بعد، ويكون 13 نيسان.
خمسة عشر يوماً بعد، وتكون مرّت ثلاثون عاماً. الله! كم تغيَّر لبنان في ثلاثين عاماً: من موازييك الشرائح اللبنانية إلى جبينٍ واحدٍ للبنان العالي، من مسرحٍ لِحرب الآخرين على أرضنا إلى سنديانةٍ ترفض كل آخرين على أرضنا، ومن الدخول الحزين في نفق الموت إلى الخروج الرائع إلى الشمس، إلى الحياة، الى… قيامة لبنان النهائية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*