283: هذه الصحوة القوية على لبنانية لبنان

الحلقة 283: هذه الصحوةُ القوية على لبنانية لبنان
(الأربعاء 23 آذار 2005)

جميعُهم باتوا اليوم يريدون اللَبْنَنَة: الموالون والمعارضون، اليمينيون واليساريون، من كل مذهبٍ وعقيدةٍ ودينٍ وحزبٍ وتشكيلٍ سياسيّ… جميعُهم وَعَوْا على اللَبْنَنَة، ويريدون اللَبْنَنَة، ويرفُضون التدخُّل في شؤون لبنان، ويتمسّكون باللَبْنَنَة، ويصرّون على اللَبْنَنَة: لَبْنَنَةِ القرار، لَبْنَنَةِ الرأي، لَبْنَنَةِ الحوار، لَبْنَنَةِ المصير، ويطالبون جميعُهم أهل البيت بأن يتخاصروا ويتكاتفوا ويَجلسوا في كنف اللَبْنَنَة.
جاء وقتٌ، كان التكلّم في اللَبْنَنَة من “التابو”، ومن يَلهَجُ بها كان يُنْعَتُ انعزالياً، شوفينياً، متقوقعاً، رجعياً، حتى بات من يتكلّم في اللبنانية متَّهماً بأنه متخلّفٌ خارج العصر، ضدَّ التقدُّمية والتطوُّر والانفتاح، وخارج موديل العصر.
مع أنّ اللَبْنَنَة هي، بكل بساطة، انْحناءةٌ خاشعةٌ أمام الهُويّة.
أكان يلزمُ أن يهزَّ لبنان زلزالُ 14 شباط حتى نصحو على اللَبْنَنَة فنَهرعَ الى الهُويّة ونُجاهرَ بها ونتمسّكَ بها؟
أكان يلزم هذا الزلزال حتى لا يَعودَ تهمةً التمسُّكُ بالهوية والمجاهرة بالهُويّة؟
المصري قد يدّعي الفرعونية أو العروبة، لكنه حريص على مصريّته. الليبِيّ قد يدّعي الأفرقة أو العروبة، لكنه مصرٌّ على ليبيّته. الفرنسي يعترف بأوروبّيّته، لكنه يقدّم عليها هُويَّته الفرنسية. الكَنَدِيّ ابنُ مونريال يَنْطُق بالفرنسية لكنه كَنَدِيُّ الهُويّة ولو كان فرنسيّ اللسان، والكَنَدِيّ ابن أوتاوى ينطق بالإنكليزية لكنه كَنَدِيُّ الهُويّة لا أميركيَّها ولا إنكليزيَّها ولا يَجعلُه لسانُهُ الإنكليزي ينتمي الى أميركا ولا الى إنكلترا. وليوبولد سيدار سنغور تغنّى بالزُّنوجيَّة لكنَّ الزُّنوجيّة لم تَجعلْه أفريقياً قبل أن يكون سنغالياً.
إن الهُويّة تاجٌ على جبين أَبنائها، والتاجُ لا يُعار ولا يُستعار.
وهذه الصحوة على اللَبْنَنَة (ولو متأَخّرة لدى البعض) هي صحوةُ العودة الى القوّةِ الكامنةِ فينا، قوّةِ الانتماء الى وطنٍ ليس فندقاً نزوره ونغادره متى عاينّا فيه ما لا يعجبُنا، تاركين وراءَنا مكانَنا بلا أسفٍ ولا أثرٍ ولا التفاتٍ الى الوراء.
الوطن هو المنشأُ والإقامة. إنه أرضنا وسَماؤُنا وما بينهما من إِخْوَةٍ لنا مواطنينَ بَرَرَةٍ مُخْلِصينَ أوفياء، يعرفون كيف يكون الوفاء والى أين يكون الولاء.
الى هذا الوطن ننتمي. الى هُويّته الوحيدة، لا صفةَ أُخرى لها ولا نعتَ إلاّ اسْمُها.
هذه هي الصحوةُ التي تتجلّى اليوم لدى أَبناء لبنان.
أَلاَ… مبروكةٌ لهم وعليهم وعلينا جميعاً… هذه الصحوةُ القويَّةُ على اللَبْنَنَة الحضارية… على لبنانيَّة لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*