حلقة 270: حتى لا يتحوّل الْمواطنون فئران مُختبرات
(الجمعة 4 آذار 2005)
لِماذا على الحياة اليومية أن تتوقّفَ في لبنان، عند أَقلّ هزّة سياسية؟ أفهم أن تنصدم الحياة اليومية عند فاجعة اغتيال كارثي كما حل بنا قبل أُسبوعين، أو حدثٍ أمنيّ مزلزل، أما عند الهزّة السياسية العادية، فلماذا تتوقّف، وتتسمّم الأَجواء وتتعطّل الحياة اليومية الاجتماعية والثقافية والفنية؟
لا أعرف مثيلاً لهذه الظاهرة إلاّ في بعض هذا العالم الثالث، حيث الناس يشاركون في الحكم ويتدخلون في الحكم ويمضون وقتهم في رصد الحكم والحديث عن الحكم.
في العالم الأول، تَحدُث كل يومٍ هزّة سياسية، نيابية أو حكومية، إنّما يُكمل الموظَّف في وظيفته، والمدرّس في مدرسته، والمزارع في حقله، والعامل في مصنعه، والحرفي في محترفه، والفنان في مرسمه ومنحته وتأليفه، والكاتب في أوراقه، تاركين جميعُهم للمسؤولين إيْجاد الحلول لِما يَحصل.
وعندنا؟ لا أفهم كيف، عندنا، جعلوا الردح الأكبر من مواطنينا فئران مُختبرات، يتسمّرون فوراً الى شاشات التلفزيونات، ويلتصقون آذاناً رهيفةً بأجهزة الراديو، متتبّعين تصريح هذا من السياسيين، وموقف ذاك، وردّة فعل ذلك، ويتناقشون في المقاهي والبيوت والمكاتب، ويُدلون بآرائهم ويتعصبون لمواقفهم ويوزّعون توقُّعاتِهم وترجيحاتهم، فتتعطّل أشغالُهم وأعمالُهم ووظائفهم واجتماعاتهم إلاّ عن الحكي في السياسة، فيكونون بذلك فئران مُختبرات وقطعاناً سياسية يسوسها بيت بوسياسه باغتباط أناني كثير.
ألا فليهتَمَّ كلّ واحد بنتاجه ومسؤولياته فتستمر مسيرة الوطن: العامِلُ فليُكمل عملَه، والموظّفُ وظيفتَه، والطالبُ درسَه، وليهتمَّ المسؤولُ السياسي بمسؤولياته تِجاه وطنه وشعبه الذي فوّضه أمر قيادة الوطن، أو فليسحب ثقته بمسؤوليه ولْيعاقبْهم في صندوقة الاقتراع.
ولنا في أيار المقبل محطةُ محاسبةٍ ومعاقبةٍ وعقابٍ وثواب. ومن اليوم الى يوم الانتخاب، فلينصرفْ كلٌّ منا الى عمله كي لا يتوقف نبضُ الوطنِ بينما نَحن – في المقاهي والمطاعم والمكاتب والبيوت – لاهُون بالكلام السياسي وتصاريح السياسيين.
حياتُنا اليومية، فلتكمل بإيقاعها الحضاري، بأمسياتها الثقافية والموسيقية والأدبية والاجتماعية، بنبضها العادي، ولنتركْ قيادةَ البلاد لِمن فوّضناهُم بقيادة البلاد، ولنحاسبْهم ولنعاقبْهم ولنكافئْهم، كلاً وفق مواقفه اليوم، عندما نقفُ قريـباً، أمام صندوقة الاقتراع.