269: لبنان بين الوحدة والوحدة

الحلقة 269: لبنان بين الوَحدة والوِحدة
(الخميس 3 آذار 2005)

لم يُعجبْهُ أن أُركِّز، في حلقة أمس الأربعاء، وقبلَها في حلقتي الثلثاء والاثنين، على لبنان اللبناني، في كلامي على ضرورة التشبُّث اليوم بوطننا أوّلاً قبل أية هُوية أخرى وأيّ انتماء آخَر. وقالني فئوياً شوفينياً انعزالياً انكماشياً لا أَمُدّ يدي لأَيّ انفتاح، وأنني أدعو الى انغلاق لبنان دون مُحيطه والجوار والْمنطقة. وقبل أن يُقفل خط الهاتف، قلتُ له أنْ لن أُجيبه هاتفياً بل سأُخصص هذه الحلقةَ ردّاً عليه وعلى كلّ مَن مثلُه مصابون بالانتماء الْمؤدْلَج الى غير لبنان.
فيا هذا: كنتُ واضحاً أمس في كلامي على الفرق الجوهري في لبنان بين الوَحدة والوِحدة، دليلاً على تَمييزي بين الوَحدة كاتّحاد الشعب حُزمةً واحدةً، والوِحدة كانكماشٍ وانعزالٍ ليسا في لبنان. فأنا واعٍ تَماماً أنّ لبنان يَموت بالانعزال ويقوى ويُقَوّي بالتراشُح والتفاعُل والانفتاح، شرط أن يكون هُوَ هُوَ: لا تابعاً أحَداً ولا ظِلاًّ لأحَد ولا حبّةً في مسبحة أحَد.
يا هذا: كُن شيوعياً ما شئتَ، وقومياً ما شئتَ، وعروبياً ما شئتَ، إنّما كن لبنانياً أوّلاً كي تكون هُويَّةٌ كيانيةٌ كاملةٌ لكَ في شيوعيتك أو قوميتك أو عروبتك. وإلاّ فأنتَ تابعٌ لاحقٌ تائهٌ في مدار، لأنّ من لا ينتمي الى الأرض التي وُلِدَ فيها ويعيش عليها، مرفوضٌ في أية أرضٍ أخرى يظلُّ عليها طارئاً أو زائراً أو زائلاً أو ضيفاً مستعاراً.
يا هذا، تشبَّثْ بأرضك: جُذوراً وجُذوعاً وفروعاً، وكُن لبنانياً أوّلاً، وبعدها انتمِ الى أيِّ خارجٍ آخَر، فأَنتَ إن لَم تكن جسدَك، عبثاً تلبس ثياب الآخَرين، لأنها ستحويك بجسدها هي لا بِجسدك. وما أهون مَن يلبس ثياباً مستعارة، أمام من لا يَملك حتى جسده.
لبنان، يا هذا، ليس ثوباً تَخلعُهُ وتبدّله. لبنانُ هو جسدنا جَميعاً. وإذا كان عيباً من يستعير ثياب سواه، فيا ذُلّ من لا يَملك جسده، لأنه يظل غباراً طفيلياً على أجساد الأخرين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*