271: إذا شعب لبنان أراد الحياة…

الحلقة 271: إذا شعبُ لبنان أَراد الحياة…
(الاثنين 7 آذار 2005)

يُجمعُ الْمحلِّلون والْمؤرخون (اللبنانيون اليوم، وربّما العرب ذات يوم) على أنّ انتفاضة الشعب اللبناني الْمستمرة منذ 14 شباط الْماضي، ستكون النموذج الْمثال النابض الْحيّ الفاعل لكل العالَم العربي.
النموذج الْمثال؟ أكيد. النموذج النابض؟ طبعاً. النموذج الحي؟ حتماً. النموذج الفاعل؟ ربّما. فربّما فعاليته الْمُحرِّضةُ الصارخة، هي التي تؤرّق اليوم جميعَ الأنظمةِ التوتاليتاريةِ الطاغيةِ في العالم العربي.
وربّما أيضاً، طوال الحرب في لبنان، هذا هو السببُ الذي جعل أنظمةً عربية كثيرةً لا تُقْدِم على الإسهام في إنقاذ لبنان، حتى تَموت الديمقراطية في لبنان فلا تتعمَّمَ على العالم العربي، وهكذا تتعمّمُ التوتاليتاريا على كل العالم العربي، بِما فيه لبنان.
إن هذه الديمقراطية في لبنان هي التي أتاحت قيام انتفاضة الشعب اللبناني اليوم، ومنذ 14 شباط الْماضي، وهي التي تتيح الاعتصام الْمتواصلَ الْمستمرَّ في ساحة الشهداء حتى انْجلاء حقيقة اغتيال شهيد العصر.
هؤلاء الشبابُ الذين يتركون بيوتهم مساءً، ويتجمّعون في خيام الاعتصام ليلاً، لا تلبيةً لأمر حزبي، ولا انصياعاً لأوامر أحزابهم، ولا خُضوعاً لرغبة زعمائهم، بل اندفاعاً شخصياً فردياً ذاتياً، يدفعهم شعورُهم بأنّهم ينحتون فجر الْحرية الحقيقية في لبنان، وبأنهم مشاركون في صنع استقلال لبنان، مشاركون فعليون، لا مشتركون متلقّون أخبار الاستقلال من الروايات والكتب.
ويا طوبى لهم، وهُم – نهاراً – يزاولون الالتحاقَ بأعمالهم وأشغالهم ومدارسهم وجامعاتهم، وليلاً يتجمّعون في ساحة الْحرية، مقتنعين مؤمنين بأنّهم يشاركون فعلياً في صنع حرية لبنان.
طوبى لهم، شبابنا وصبايانا، على وعيهم اللبناني، الوطني غير الفئوي، تَجْمَعُهُم خيمةٌ واحدة، لا حواجزَ تفصلهم بين جورج ومحمد ومعروف، لا أحزابَ تفصلهم بين يَمين ويسار، لا مناطقَ تفصلهم بين طرابلس وصيدا وبعلبك وجونيه، ولا يفصل بين طموحاتهم إلا سرعة اندفاع نحو الفجر الذي يوشك أن يُطِلّ.
وسوف يكونُ شبابُ لبنان وصباياه نَموذجاً حياً نابضاً فاعلاً حقيقياً، لصرخة ذاك الشاب التونسي حفيد إليسا بنت صور، أبو القاسم الشابي الذي قال ذات يوم: “إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة… فلا بُدَّ أن يستجيبَ القدَر”. وها شعب لبنان: أراد الحياة، وسوف يستجيب له قدرٌ كان شعبُ لبنان، بسبب تَخاذل بعض سياسييه، ظَنَّه قدراً قاسياً لن يتغيّر، ولكنْ… ها هو قريـباً جداً: سوف يتغيّر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*