حلقة 260: هل دولتُنا الوحيدةُ في العالم عندها مشاكل وهموم؟؟؟
(الجمعة 11 شباط 2005)
وردتني أمس رسالة إلكترونية من المواطنة م. ن. (ولن أذيع اسمها كاملاً لشبه يقيني أن اسمها مستعار) تعترض فيها على حلقة أول أمس الأربعاء حول تقصير الدولة في القيام بالإحصاء الضروري، فيما السلطنة العثمانية تمكنت بعد أربع سنواتٍ على دخولها لبنان عام 1516 من إجراء إحصاء دقيق للسكان والموجودات والمواشي وجميع مكوّنات جبل لبنان الاقتصادية والصحية والإدارية.
وختمت المواطنة رسالتها بالقول: “وهل الدولة الآن متفرّغة لهذا الشأن، أمام ما يعترضها من هموم ومشاكل محلية وإقليمية ودولية”؟
فيا حضرة المواطنة م.ن. ذات الاسم المستعار: ليس من دولة في العالم إلاّ وعندها هموم ومشاكل محلية وإقليمية ودولية، ومع ذلك، كل ما فيها يسير كما يجب أن يسير، وينصرف المعنيون في الدولة الى معالجة الهموم والمشاكل المحلية والإقليمية والدولية.
فهل السلطنة العثمانية، وكانت متراميةَ الأطراف شاسعةَ المساحات والبلدان، لم تكن عندها هموم ومشاكل محلية وإقليمية ودولية؟ ومع ذلك كلَّفت من يقوم بِجردةِ إحصاءٍ دقيقٍ لجبل لبنان بلغ حد إحصاء عدد الأشجار والمواشي ومعاصر العنب والزيتون.
وهل الصين، أكبر دولة في العالم، ليس عندها هموم ومشاكل محلية وإقليمية ودولية؟ ومع ذلك تمكنت، قبل أسابيع، من إعلان أنْ ولِدَ لها الطفل الذي جعل عدد سكانها يبلغ ملياراً وثلاثمئة مليون، بعد ساعة تماماً من ولادة الطفل في أحد مستشفيات بكين.
فهل دولتُنا، من غير شر، وهي ليست مترامية الأطراف ولا شاسعة المساحات، مثل السلطنة العثمانية في أيامها أو مثل الصين في أيامنا، عاجزةٌ عن القيام بإحصاء مبدئي أولي، كي لا نظل نقرأ على أوراقنا الرسمية “إحصاء سنة 1932″؟
وهل إذا كان عند دولتنا هموم ومشاكل محلية وإقليمية ودولية، يعني أن تنشغل وتَشغَل المواطنين بهمومها ومشاكلها فلا يكون حديث بين الناس إلاّ مشاكل الدولة وكيف تعمل على حلّها، أو كيف تستجدي العمل على حلّها؟
أيتها المواطنة المتخفيةُ باسم مستعار، لا تحرصي كثيراً على الدفاع عن دولةٍ، منذ 1932 لم تقم بإحصاء سكانها، لأنها لو فعلت، لارتعبت من رقم واحد فقط، بين عدة أرقام مرعبة، هو رقمُ الذين يحصلون على تأشيرة دخول من السفارات، ثم يهرعون الى مطار بيروت ركضاً وهرولةً، لا يلتفتون وراءهم حتى ليودّعوا بيروت، ولو بنظرة أخيرة، قبل إقلاع الطائرة.