الحلقة 261: وِقفة لبنانية على الضريح المزار
(الاثنين 21 شباط 2005)
الضريحُ الذي يستريح في مسجد محمد الأمين منذ أُسبوع، لم يعُد مُجَرَّد ضريحٍ، بعدما حوّله الشعب الى مزار.
الضريحُ الذي يأتي زواره جاثين لا واقفين، باكين لا خاشعين، مفجوعين لا متأملين…
الضريحُ الذي جمع الراهبة الى الشيخة المحجّبة،
الذي لم يكتفِ بالجمع فوقه بين مئذنة محمد الأمين وجرس مار جرجس، بل جمع حوله يدين الى الفاتحة، ويدين الى إشارة الصليب،
الضريحُ الذي تجاورت فيه شموع العذراء بالـ”هللويا” مع شموع التذكارات بـ”إنّا لله وإنّا إليه راجعون”،
الذي يتصاعد منه بَخور الـ”لا إله إلاّ الله” مع بَخور “أبانا الذي في السماوات”،
الضريحُ الذي تعانقت فيه مسبحة تسبّح “باسم الله الرحمن الرحيم” ومسبحة تسبح “باسم الأب والابن والروح القدُس”،
الذي تكسَّرت عنده جميع الفروقات وذابت في ركعةٍ واحدةٍ وخشعةٍ واحدةٍ وصرخةٍ واحدةٍ: “من أجل لبنان”،
الضريحُ الذي يتفجَّعُ على زهوره اللبنانيون كأنهم يبكون جميعاً أباهم الراقدَ تحت التراب، متفجعين على مآثره التربوية والوطنية والعمرانية،
الضريحُ الذي جمَع لبنان من أقصى عَكّاره الى أقصى ناقورته، ومن امتداد ساحله الى أعالي جباله، ووَحَّد جميع المتحلّقين حوله على صرخةٍ واحدةٍ: “كُلُّنا للوطن… للعلى للعلَم”،
الذي يأتي رؤساء الدول وكبار الحكام والمسؤولين ينحنُون فيه حَدّ شيخٍ يسبّح، ومطرانٍ يبتهل، حَدّ زهرةٍ وضعها محمد وأحمد ومصطفى ومعروف، وزهرةٍ وضعها مارون وجوزف ونقولا، وحَّد بينهم على أرض وطنهم مَن يرقد تحت التراب،
هذا الضريحُ، منذ اليوم، ليس ضريحاً بل مزار… مزارٌ يشهد أنّ الشهادة لله والوطن تُمَجِّد الله وتوحّد الوطن، وأنّ الاستشهاد في سبيل لبنان، لن يَمُرّ بلا ثَمَن.