الحلقة 219: صيدا الضائعة بين السياحة التاريخية والسياحة الدينية
(الخميس 16 كانون الأول 2004)
أفهم ألاّ تكون القلعة البحرية في صيدا مجهّزةً بما يجعلها موئلاً سياحياً يستقطب، لكنني لا أفهم كيف يمكن أن تكون القلعة البرية بهذا الإهمال الجاعلِها، في جُزءٍ منها، خراباً فاجعاً شبه كامل، وفي الجزء الآخر مكباً للنفايات وساحةً للزبائل وباحةً تتآكلها الأعشاب البرية اليابسة والخضراء، وتزيدها خراباً حولها باحةٌ كانت لمدرسة الفرير ومدرسة الأميركان، حيث تقوم بعثة بريطانية – لا لبنانية – بحفريات كشفت عن آثار تعود الى خمسة آلاف سنة من عمر صيدا.
وكنت أعلم أن معبد أشْمون، في ضاحية صيدا، كذلك مهمَلٌ وسط بستان، تتآكل فيه الفسسيفساء التي لا يصونها أحد ولا يحرسُها أحدٌ وباقيةٌ عرضة للنهب والإتلاف، بينما نواويس أشمون مستريحة في متحف اللوفر مصانةً وكرَّمةً ومعروضةً لملايين الزوار، وأشمون، إله الصحة الفينيقي، مهمل في أرضه وبلده وموئل عبادته القديمة.
وفي صيدا القديمة كذلك، كنيسة القديس نيكولاوس الأثرية للروم الأرثوذكس، التي يعود بناؤها الى القرن الرابع، وفيها، على ما يقول المؤرخ الأب قسطنطين باشا، الغرفةُ التي فيها التقى شاوول بالقديس بطرس، وكان اصبح بولس، فانطلقا من هذه الغرفة الى التبشير، بولس أبحر منها الى روما عن شط صيدا فدمّر وثنية أمبراطوريتها، وبطرس أبحر منها الى أناضُوليا عن شط صيدا ليمسحن تلك المنطقة.
وبين قلعة صيدا البرية التي بناها القديس لويس، أو لويس التاسع، في القرن الثالث عشر على شط صيدا، والكنيسة التي تضم غرفة التقاء بطرس وبولس قبل إبْحارهما عن شط صيدا، تقف صيدا اليوم مغبونةً مرتين: مرةً بسياحتها التاريخية في قلعتها التاريخية، ومرةً بسياحتها الدينية في كنيستها التي هي إحدى معالم المسيحية في العالم.
نقطتا جذب سياحياتنا في صيدا، والدولة منذ نصف قرن ويزيد، أسخف من مرتا التي تهتم بأمور كثيرة، والمطلوب واحد: أن تكون دولة تعرف كيف تَخُطّ الْماضي لتخطّط الْمستقبل.