الحلقة 220: فلتكن صيدا أمثولة لِكلِّ لبنان
(الجمعة 17 كانون الأول 2004)
بعد حلقاتي الأربع طوال هذا الأُسبوع عن صيدا القديمة، وصرختي عن الإهمال اللاحق بآثارها ومعالمها، سألني مسؤولٌ في الدولة إن كنتُ أقصد بالإهمال بلدية صيدا أم المديرية العامة للآثار.
جوابي له ولكل سائل: لا هذه ولا تلك. فالبلدية قامت وتقوم بما عليها ضمن إمكاناتها الضئيلة رغم طموحاتها الكثيرة، والمديرية العامة للآثار تقوم بواجباتها ضمن شحّ الإمكانات المتوفرة لها بشرياً ومادياً.
الإهمال حاصلٌ من غياب التخطيط: فانتصاب استراحة صيدا حجب منظر قناطر الجسر الواصل البر بالقلعة البحرية وتغيّر المشهد التاريخي، ومشروع إيكوشار لم يتم تنفيذه كما تم ولو تم لكان المشهد التاريخي تغيّر كذلك لأنه التخطيط كان بدون حس تاريخي تراثي أثري، والكنائس والجوامع والمزارات مهملة الاستثمار السياحي الديني، صيدا القديمة معلم أثري من 160 ألف متر مربع يلزمه مخطط توجيهي ذو جدوى اقتصادية مربحة فيصبح مورداً ثقافياً وسياحياً ذا مردودٍ للدولة كبير. فلنجعل صيدا والاهتمام بتراثها العظيم أمثولةً تتعمّم على كل لبنان.
يعني؟ من تلوم؟ سألني المسؤول في الدولة، كأنما ينتظر مني أن أسمي شخصاً أو أشخاصاً في الحكْم اليوم أو أمس أو أولَ أمس.
ولا يدرك هذا المسؤول الأشْوس أن دودة الإهمال تنخر لبنان منذ عقود وعهود وحكومات، وأن اللوم الأكبر هو على أمّيين لا يقترحون على واضعي موازنات الدولة، عهداً بعد عهد وحكومة بعد حكومة، أن يلحظوا مبالغ تعطى لمديرية الآثار ووزارة الثقافة كي تتحركا الى استنهاض تراثنا العريق ومعالمنا الثقافية وواحاتنا السياحية الأثرية والتاريخية والدينية، كي تكون لنا نقاطَ جذبٍ سياحيةً تدرُّ على الدولة بعض ما يوفر عنها أن تقف شحاذةً على أبواب دول تسمي نفسها دولاً مانحة، تخفيفاً لتعبير أننا دولة تتسوّل المساعدات، والهدر فيها من أهلها ونواطيرها يغطي كل عجز يؤمن وفراً يجعل لبنان ذا دولة تتمتع أولاً وأخيراً بصفة واحدة: الكرامة.