الحلقة 215: الْمسؤولون يسافرون يسافرون… فبماذا يعودون؟
(الجمعة 10 كانون الأول 2004)
المواطن الصَّيداوي الذي وزَّع عشرة آلاف نسخة من ورقة تَحُثُّ الصيداويين على مراعاة نظافة مدينتهم، عاد فاتصل بي أمس، مشكوراً، ليطرحَ عليَّ فكرةَ سفر الْمسؤولين الذين يعاينون في الخارج مظاهرَ حضاريةً ومدينيةً وبيئيةً ولوجستيةً، ويعودون كما يذهبون، لا يطبّقون شيئاً مما رأوه، ولا حتى يتقدمون بِمشروعٍ يُحسِّن عندنا ما شاهدوه في البلدان وحَسَّن أوضاعَ تلك البلدان.
معه حق ابنُ صيدا، الصديقُ الذي ما زال يفضِّلُ ألاّ أذيعَ اسْمَه. معه حق. فمعظمُ الْمسؤولين عندنا، من رؤساءَ ووزراءَ ونوابٍ ومدراءَ عامين ومسؤولين من أيِّ قطاع، يظلُّون، من غير شر، ذاهبين عائدين مسافرين راجعين، ليس في حقائبهم إلاّ أحدثُ أنواع السجائر والمشروبات، والهدايا والسيجارات، والقمصانُ والكرافاتات، والصورُ والتذكارات، والأخبارُ والذكريات لأحاديثهم في الصالونات، ونادراً ما علِمنا أنَّ واحداً منهم عاد بمجموعة كتُبٍ صادرةٍ حديثاً، أو بفكرةٍ واحدة عن ظاهرةٍ شاهدَها في الخارج وجاء يقترحها على مجلس النواب أو مجلس الوزراء أو مجلس اختصاصه أو وظيفته أو مسؤوليته، مِمّا يُحسِّن من وضعنا في لبنان، سواءٌ وضع الطرقات أو الكهرباء أو النفايات أو السير أو البناء أو غيرِها فتزدان بِمظاهر العمران طرقاتُنا وأحياؤُنا وشوارعُنا ومدنُنا، أو يأتي بأية فكرةٍ حضارية شاهدها في الخارج ويقترح تطبيقَها عندنا، لنقولَ إنّ هذا الْمسؤول الجهبوز الذي سافر على حساب الدولة، يعني على حساب الشعب اللبناني، عاد بفكرةٍ واحدةٍ تُفيد الشعب اللبناني وتُحَسِّن من وضعه اللوجستي أو العمراني أو الْمَديني أو الحضاري.
ألا فكرةٌ واحدةٌ أيها المسؤولون الذين لا يسافرون إلا بمواكبةٍ أصدقاءَهم وأَقاربَهم لها يَحشدون، ورهطاً من الإعلاميين يطلبون كي يغطوا لهم تَحركاتِهم والتصاريحَ التي بِها يُدلون، من الفنادقِ الفخمة التي على حساب الشعب فيها ينْزِلون، ألا فكرةٌ واحدة عندما تعودون، قد تصلحُ أمراً ولو بسيطاً في هذا البلد الذي من خُبزه تأكلون، ومن مال أبنائه تعيشون، لكنكم لا حسَّ مدنياً تملكون، وكلَّ مفيدٍ للبنان تنسون، عندما من مطار بيروتَ تَخرجون، ومن مال الشعب اللبناني تسافرون وتتسيَّحون وتسيحون، وغيرَ التصاريح الديماغوجية الجوفاء لا تَجدون، عندما على أرضه الطاهرة الْمقدسة تَحُطّون.