الحلقة 216: صيدا… صيدا… أين نحن من كنوزها الخالدة؟
(الاثنين 13 كانون الأوّل 2004)
بعد الحلقتين من “نقطة على الحرف” عن صيدا، والظاهرة البيئية النبيلة التي قام بها مواطنٌ مُتَنَوّر في مدينته صيدا، تلقّيتُ دعوةً من مواطنين صيداويين لزيارة صيدا، فلبّيتُ شاكراً، واستضافني الأَصدقاء الطيبون الى جولة في صيدا القديمة كانت لي كشفاً مُذهلاً عن داخل مدينتنا العظيمة، لم أكن شاهدتُها من قبل، لأن جميع زياراتيَ السابقةِ الى صيدا، زائراً أو مُحاضراً، كانت سريعةً ولم تَسنح لي فرصةُ المشي في صيدا القديمة التي ما زالت تنضح بالتاريخ شاهدةً عليه وشهادة، وأقول: استشهاداً، بعد الذي لاحظته من إهمال في بعض النواحي والمناحي والأنْحاء.
ولعلّ أوجعَ ما شاهدتُه في هذا الجولة، غيابُ الدولة، منذ سنواتٍ سحيقةٍ، عن وعْيِ استصلاح صيدا القديمة والعناية بها والحفاظ عليها، لا كرمى لأهالي صيدا (بالمعنى الانتخابي الضيّق)، ولا كرمى للمشهد الإنمائي الصيداوي (بالمفهوم السياسي الضيّق)، بل كرمى للبنان التراث والتاريخ، وتالياً لتحويل صيدا نقطةَ جذْبٍ سياحيةً كبرى لما يعرفه عنها، في الخارج، متنورون ومثقفون ومهتمون واختصاصيون، إذا أتوا الى صيدا يكملون ميدانياً معلوماتهم ويستكملون أبحاثهم ويشاهدون عينياً ما قرأوه عما في بواطن صيدا وظواهرها من كنوزٍ وآثار ومعالم يجدون فيها ما عنه يبحثون، يصطدمون بواقع فاجع مأساوي حين يجدون المعالم التاريخية في صيدا مطموسةً أو مغمورةً أو مهملةً أو متروكةً أو مشوّهةً أو في حاجة الى صيانة واستصلاح وتأهيل.
فكيف يمكن أن يأتي سائحٌ أو باحثٌ الى صيدا، ليجد بعض المعالم الأثرية متروكةً بدون حماية أو حراسة، وفي بعض الأماكن غارقةً بين الأعشاب والزبائل والإهمال، ولم تعمَدْ حكومةٌ – منذ الاستقلال حتى اليوم – الى تأهيلها معالمَ سياحية، مع أنّ أيّ مصروفٍ على هذه المعالم يعود على الدولة بمدخول هائل من السياحة، أُسوةً بِما نَجده – في البلدان التي نزورها – من معالِمَ سياحيةٍ ذاتِ مردودٍ كبير على الدولة من السياحة التاريخية أو الأثرية أو البيئية أو الطبيعية أو الدينية، وجميعها متوفرة في صيدا، صيدانا الخالدة، صيدوننا العظيمة التي، لو أًهِّلَت، تكونُ السياحةُ فيها مورداً كبيراً للدولة، في المعالم التي مررتُ ببعضها أمس أو علمتُ بها، والتي سأفصّل الكلام عليها غداً.
فإلى الغد، مع جولةٍ عجلى في صيدا القديمة.