الحلقة 213: إحراق ساعات العُمر في زحْمة السير الْخانقة
(الأربعاء 8 كانون الأول 2004)
أَجتاز كلَّ صباحٍ مسافة عشرين كيلومتراً من جونيه الى بيروت، فأَنْحَرُ كلَّ يومٍ من عمري أكثر من ساعةٍ لأقطع هذه الْمسافة، مصطدماً بزحمة سيرٍ باتت معروفةً مَحطاتُها على الطريق، وبات معروفاً الْمحكومُ علينا قضاؤه في الطريق، متسَلْحِفين بين سياراتٍ تَعُجُّ بِمواطنين يتأَففون ويغضبون ويلعنون الْحكومات بِجميع أحرف الأبْجدية مركّزين على حرف السين، ولا يكون في الطريق حادث أو حاجز، بل مُجردُ اختناقٍ روتيني في ضيق الطرقات وتَحفيراتها وبنيتها التحتية المهترئة فلا تستوعب حجم السيارات الوافدة كل صباحٍ الى العاصمة.
وهذا أمرٌ طبيعيٌّ حصولُهُ في مدينةٍ عاصمةٍ يدخل إليها يومياً آلافُ المواطنين من مداخلها المتعددة، يُمضون فيها نهارهم ثم يغادرونها مساءً فتكتظُّ منافذُها من جديدٍ بالزحمة نفسها التي يترجمها المواطنون لعناتٍ على الدولة بِحرف السين.
وهذا الأمر الطبيعيُّ موجودٌ في معظم عواصم العالم ومدنه الكبرى التي يفد إليها الآلاف كلَّ صباح من المناطق المجاورة والبعيدة. ولكنّ الدول، في بلدان العالم، تفكِّر وتُخطِّط وتنفّذ حلولاً تريح الْمواطنين (ما أمكن) من الزحمة القاتلة.
من الْحلول، مثلاً، أن تكرّس بين الخطوط البيض على الطريق خطاً خاصاً لباصات المدارس وباصات النقل المشترك، وخطاً آخر للسيارات التي فيها أربعة ركاب أو خمسة، أو أن تُخصِّصَ (في نقاط الزحمة المكثفة) خطاً واحداً من الطريق المقابل مَجيئاً فيُستعمَل ذهاباً، تسهيلاً لحلحلة الاختناق على خط الذهاب حين خطُّ الْمجيء خفيفٌ في ساعات الزحام.
المهم أن الدول تضع حلولاً لزحمة السير على مداخل العواصم والمدن. تضع حلولاً، يعني أنها سهرانةٌ على مصالح المواطنين الذين يدفعون الضرائب للدولة كي تسهر على مصالحهم، لا كي يسهَروا هم مساءً أمام شاشات التلفزيون يتفرّجون، بقَرَفٍ، على كاريكاتور حكومات متعاقبة تأتي وتذهب وتشغَلُ الناس بعرضحالات قاتلة وتصفية حسابات على حساب حالة الناس الذين، ليأسهم وقرفهم من كل حكومة، باتوا خارج كلِّ حالة.