الحلقة 212: … بل على الدولة أن تدفع لنا الميكانيك
(الثلثاء 7 كانون الأوّل 2004)
علا صوتي صارخاً في وجه الميكانيكي بعد ظهر أمس، حين اكتشفتُ أنّه غيّر في سيارتي قطعَ غيارٍ ميكانيكيةً كان غيّرها لي منذ أقلَّ من سنتين.
وكان الميكانيكي أكثرَ هدوءاً مني وأوسعَ تفهُّماً في وجه صراخي، فاصطحبني الى مستوعِبٍ القطع المهملَة المرشَّحة لتذهب الى النُّفايات، حمل القطع التي نزعها من سيارتي، وراح بكل تُؤَدَةٍ وتأَنٍّ يشرح لي كيفيةَ عملِها في السيارةِ، وتشغيلَها السيارةَ، وما الذي يؤذيها من صدمات وكدمات وارتجاجات، ويُريني الأعطالَ فيها والتلفَ الذي أصابها، والذي، في تقديره يفتَرَضُ أن يَحصل في الْحالات العادية بعد سنوات استعمال، وبعد السير آلاف الكيلومترات أكثر مما سارت سيارتي.
سألته عن السبب، فقال لي: “الطرقات يا أستاذ. هذه السيارات معدّة لتسير على طرقات معبّدة لا على طرقاتنا المزروعةِ حفراً ومطبّات وتشققات وريغارات وترقيعات بعضُها أعلى من الطريق فتقفز عليها السيارة، وبعضها الآخر حفرة في الطريق ترتجّ فيها السيارة. وهكذا فالسيارة عندنا تُمضي كلَّ رحلتها (من انطلاقها الى وقوفها) تتكسَّر في طرقاتنا التي تُتْلِف كل مفصل في السيارة الْمركَّبَة أصلاً على المفاصل، وهذا ما يجعل سيارتك تستهلك الأمورتيسورات والبيضات والملاقط والأكواع والدواليب وسائر قطع غيار مقدر لها أن تعيش سنواتٍ في السيارة، لكنها عندنا لا تعيش سوى أَشهر”.
في طريق عودتي من الكاراج، رحتُ أفكّر: نحن ندفع كل عام رسوم الميكانيك للدولة المفروض أنها بهذه المبالغ تستصلح طرقاتنا، وإلاّ فلماذا تستوفي منا الميكانيك إن كانت لا تستصلح الطرقات؟ وإذا كانت الدولة تدفع للمواطنين تعويضات طوفان ودمار حرب وتلف مَحاصيل زراعية، فلماذا لا تدفع الدولة للمواطنين تعويضات إتلاف سياراتهم على طرقاتٍ عندنا لم يعُد فيها متر واحدٌ من مواصفات الطريق، ولم تعد هذه طريقاً بل أصبحت جل بطاطا؟
بطاطا بطاطا أيتها الحكومات البطاطا التي تتعاقَبُ علينا وتُبقي طرقاتِنا… جلالي بطاطا.