الحلقة 211: وزارة الأشغال: لاستباق الأحوال أم لتصريف الأعمال؟
(الاثنين 6 كانون الأوّل 2004)
قبل أسابيع، قال لي مسؤول كبير سابق إن “تخطيط طرقات لبنان الحالية يعود الى منتصف خمسينات القرن الماضي، حين كان محدوداً عددُ السيارات في لبنان. واليوم، تضاعف عدد السيارات عشرات المرات، ولا تزال تسير على الطرقات نفسها التي يعود تخطيطُها وهيكلُ بُنْيَتِها التحتية الى خمسين سنةً عبَرَت”. وحين سألته لماذا لم يحرّك هذا الموضوع حين كان هو في الحكم، أجابني بما يشبه إقفال الموضوع: “كان عندنا أمورٌ أكثرُ إلحاحاً للوطن”.
خمسون عاماً وطرقاتُنا هي هي، بعَرضها وزفتها وتحفيراتها واهتراء بنيتها التحتية.
خمسون عاماً! كم حكومةً مرّت على لبنان في خمسين عاماً؟ كم وزيرَ أَشغالٍ تعاقب على الوزارة في خمسين عاماً، ولم يفكّر وزير واحدٌ منهم في وضع خطة مستقبلية لطرقات لبنان!
خمسون عاماً من ترقيع الطريق، حين يتم الترقيع، والباقي متروك في معظم طرقاتنا – عدا الضئيل الجديد منها – وليس في وزارة الأشغال مَن يفكر بتشكيل لجنة تدرس كيفيةَ تعاطي الوزارة مع تنامي عدد السيارات في لبنان ورسمِ خطةٍ مستقبلية لطرقات لبنان توازي بين عدد السيارات الموجود حالياً، والعددِ الْمُرتقب بلوغُه بعد عشر سنوات، وكيفية التعاطي مع الطرقات كي تستطيعَ تَحَمُّلَ العدد الذي سيكون بعد عشر سنوات.
ذات يوم، كان عندنا وزارة للتصميم. ألغتْها إحدى الحكومات، ربما للتقشف الذي تدّعيه كلُّ حكومة عند تشكيلها، ثم تروح تنشئ وزاراتٍ جديدةً لاعتباراتٍ طائفية وسياسية وعشائرية وتنفيعاتية وزبائنية ومُحاصَصَاتية، وتعود فتدعو الى التقشُّف.
بلى: أبرز ما ينقصنا في لبنان: التخطيط والتصميم وكيفية التعاطي مع الْمرتَقَب في الْمستقبل.
ومن أكثر الأُمور إلْحاحاً، وضعُ دراسةٍ لِحالة طرقاتنا الْمتوقَّعةِ في السنوات المقبلة، كي تستوعب تزايد السيارات مستقبَلاً، وإلاّ فوزارة الأشغال، حكومةً بعد حكومة، ليست لارتقاب الْمستقبل واستباق الأحوال، بل هي، فقط، وزارة تصريف أعمال.
وما أتعس وزارةً، قمة أعمالها ترقيعُ الحاضر، لا تسريع الْمستقبل.