الحلقة 206: بادرة بيئيّة حضارية من صيدا
(الاثنين 29 تشرين الثاني 2004)
منذ طلبتُ، في الحلقة 200 من هذا البرنامج، أن يتصل بي الأصدقاء المستمعون ليُطْلِعوني على معانياتهم ومعايناتهم، وهم لا ينفكّون يتصلون بي يعرِضون ما لديهم أو ما يرون حواليهم.
مواطنٌ من صيدا، طلب مني ألاّ أذكر اسمه، روى لي أنه كان يرى جاره في المدينة يصعد الى سطح الْمنْزل، ويرمي عنه أكياس الزبائل الى جلٍّ تَحت البيت فلا يصل الكيس الى الأرض إلا منفلشاً بما فيه، وما فيه يغري البعوض والذباب والفئران والجراذين. بادر هذا المواطن الى طبع ورقة على الكومبيوتر، وزّعها على جيران الْحي، عن التلوث القاتل الذي يسبّبه رمي الزبائل في الهواء الطلق عوض وضعها في مستوعبات النفايات. فارتدع ذاك الجار وأخذ يُحْكِم إقفال كيس الزبائل ويكلّف نفسه الذهاب لوضعها في الْمستوعب الكبير الأخضر.
وحين رأى هذا المواطن أن البادرة نفعت، طبع من تلك الورقة عشرة آلاف نسخة وزّعها على أفران صيدا لتضَعَها مع كل ربطة خبز فتتوزَّعَ هكذا على أوسع مساحة بشرية في الْمدينة.
طلبتُ من هذا المواطن نسخةً عنها ففاكسها لي الى الإذاعة وإذا فيها ما يلي: “حفاظاً على النظافة العامة والبيئة والمظهر العام في مدينتنا الغالية صيدا، وحفاظاً على صحة الجميع وخصوصاً صحةِ أطفالنا، يرجى ضبطُ النُّفايات في أكياس مغلقة جيداً ووضعها في البراميل الْمخصصة لها، وعدم رميها على الطريق أو عن السطوح أو عن الشرفات أو من نوافذ السيارات. والرجاء الحفاظ على هذه القسيمة، وتعميمُها وإطْلاع الآخَرين عليها للعمل بها كي تتعمَّم الفائدةُ منها وتصبحَ النظافةُ سلوكاً ذاتياً في أي مكان من لبنان”.
يا أخي الْمواطن الصيداوي، تَحيتي إليك، وتَحيةُ كلِّ من يستمع الآن إليّ، على بادرتِك الْمُواطنية هذه، وتَحية خاصة على عبارة “السلوك الذاتي”، لأننا، كمواطنين، إن لم نبادر الى سلوك ذاتي نابع من مواطنيتنا، فلن نصل الى الغاية، ولو وضعت الدولة خفيراً لكل مواطن. فالنظافة معيار السلوك، وعنوان تربية مدنية يَجب تعميمها في كل بيت وكل مدرسة قبل الدروس في الكتب.
فليكن كل مواطن خفيراً، كهذا الْمواطن الشهم في صيدا، صيدا التي علّمتنا في التاريخ كيف تكون البطولة والشهامة، وها هي اليوم، بهذه البادرة من ابنها الصيداوي، تلفتنا الى ظاهرةٍ بيئيةٍ كم يَجمُلُ أن تتعمَّم على كل لبنان.