الحلقة 207: قهوجيات وسُكَّرُ الأدب الساخر
(الثلثاء 30 تشرين الثاني 2004)
لعلَّ أكثر أنواع الأدب تأثيراًً في الْمتلقّي، قارئاً أو سامعاً أو مشاهداً، هو الأدب الساخِر.
ولعلَّ أكثر أنواع الأدب اختراقاً في ذاكرة الْمتلقّي، هو الأدب الْحيّ عبر السيرة الذاتية.
وإذا كان هذا الأدب الْحيّ يقوم على الْمُعاينات والْمعاينات، من مشاهداتٍ وانطباعات، تدخلها “أَنا” الكاتب لتُرَوْنِقَها بِجمالٍ أدبِيّ أَخّاذ يَجذب قارئها، فأحدث ما صدر في هذا السياق الناجح الْجَذاب كتاب الصديق الفنان غازي قهوجي، الذي انتقل بهذا الكتاب من السينوغرافيا الناجحة الى القيافيا الناجحة في سرد الْمشاهدات الطريفة التي نقلها قلمه الطريف فجعلَها أكثر طرافة.
كتابه “قهوجيات” نتعاتٌ طريفةٌ أَخّاذةٌ تذكِّرنا بنتعات سعيد تقي الدين ومارون عبود ومارك رياشي والياس الديري وسائر الشُّلَّة الْمباركة التي امتطت الصحافة وسيلةَ إيصال، فجمّلت الصحافة بأعمدةٍ ساخرة ليست بالضرورة ضاحكةً جميعَها بل تهُلُّ أحياناً مقذعَةً جارحةً تُضحك من ألَم وتخترق الْمتلقّي بأَوجع من وعظٍ ونقدٍ وملاحظات.
غازي قهوجي، الْهادئ بطول تَجربة، الساخر اللسان بوجه جِدّيّ، الذكي التلميح بملامحَ عادية، يُهدينا في كتابه “قهوجيات” مَجموعةً غنيَّةً بالْمواقف الضاحكة مرةً والساخرة مرةً أخرى، والْمعبِّرة بأَلم مراتٍ كثيرةً ولو غلَّفتْها بسمة السخرية، ليسجّل في أدبنا اللبناني علامةً جديدةً من الأدب الساخر الذي له في القارئ قوةُ اختراقٍ تَجعل النتعة الساخرة باقيةً في البال مدةً طويلة.
ومن تَجربته الطويلة سينوغرافيّاً، والْمكتنِزَةِ بالْخبرة أستاذاً جامعياً، تَمَكَّن غازي قهوجي من أن يرفُدَ أدبنا الساخر بِمجموعة قهوجيات كاريكاتورية تنفُذُ الى القلب قبل العين، والى الذاكرة قبل إغلاق الكتاب. وكم يَجمُلُ بنا أن نُهدي في الْمناسبات والأعياد، هذا النوع من الكتب، كي تظلّ في مكتباتنا ذاكرةٌ نابضةٌ من مُجتمعنا اليومي لا يُذبِلُها الزمن لأنها حيّة بالْمعاينة، وحيّة بنقلها الذكي الى التعبير الكتابي الذكي، كما حال كتاب “قهوجيات”.
غازي قهوجي، سلِمَ قلمُكَ الْمُرَوَّس.