الحلقة 205: بين أخلاقيات المصعد وأخلاقيات تقاطع الطرقات
(الجمعة 26 تشرين الثاني 2004)
من أسوإ ما نفتقد في مجتمعنا: أخلاقيات التعامل مع الآخَر. فلا احترامَ للوقوف في الصف، ولا احترامَ لأولويات المرور، ولا احترام لقوانين السير من سرعة وتَجاوُز وعدم رمي الزبائل من نافذة السيارة.
وعلى ذكر أولويات الْمرور، من المفارقات الساخرة أن يتدافع السائقون ضدّ بعضهم البعض عند تقاطع الطرقات ويتزاحموا ويتسابقوا للمرور بشكل لاأخلاقيّ، بينما هم أنفسُهم يتدافعون تَهذيباً عند باب المصعد فيدعو واحدُهم الآخرَ الى أن يدخلَ المصعد قبله، بينما هذا المواطن نفسه يندفع بسيارته في وجه المواطن الآخر كي يمر قبل الآخَر عند تقاطع الطرقات.
فكيف هذا المواطن يَحترم الآخَر على باب المصعد ولا يَحترم الآخَر عند تقاطُع الطرقات؟
وعلى ذكر الْمصعد، كم مُقْرِفٌ مَن يصِرُّ على التدخين في الْمصعد، في هذه العلبة الْمقفَلَة من متر مربع واحدٍ تكاد تضيقُ بنَفَس الراكبين فيه، حتى يأتي وقِحٌ يلوِّثُها بدخان سيجارته بكل وقاحة فيُزعجَ ركَّاب الْمصعد ولا يستطيع أن ينتظر حتى يَخرج من الْمصعد كي يزاول تدخينَه الْمُزعِج.
وما كنا في حاجةٍ الى إثارة موضوع التزاحم على أفضلية الْمرور عند التقاطعات، لو ان دولتنا الشوساء وضعت إشاراتٍ كهربائيةً عند الْمفارق والتقاطعات توفّر على الْمواطنين غيرِ المنضبطين تدافُعَهم غيرَ الأخلاقي للمرور.
ولا كنا في حاجةٍ الى إثارة موضوع وقاحة التدخين في المصعد، لو انّ مواطنينا تربّوا ونشأوا على أخلاقيات مدنية هي قبْل تَعَلُّم الأبْجدية في البيوت والمدارس.
بلى: التربية الْمدَنية في مدارسنا أهمُّ وأكثر إلْحاحاً من معرفة عُلُوّ جبال الألب وطول نَهر الْميسيسبي، لأن أيّ كتابٍ يعطي الْمعلومات، لكنّ أيّ كتاب لا يُعطي الْمواطن اللبناني تأْشيرة دخول الى الْمُجتمع الْمحلي والدولي، كي يكونَ الْمواطن اللبناني، أنّى يَحِلّ، مواطناً عالَمياً يتحلّى، كما في الْمدن الْحضارية، بأبسط قواعد… الأخلاقيات الْمدنية.