الْحلقة 196: لِماذا الْموسيقى الكلاسيكية لأَيَّام الْحِداد فقط؟
(الاثنين 15 تشرين الثاني 2004)
لا شَكَّ بأن أكثر الْمُناخات مهابةً للحِداد: الْموسيقى الكلاسيكية. فهي أنقى الفن العالي، يرفع سامعيه الى أرقى الْمشاعر، ويُدخلهم في جوّ رَّهبة إبداعية غير عادية، ويسمو بالنفس البشرية الى أنقى مراتعها.
هذه الْموسيقى الكلاسيكية تُكرّس لها معظم وسائلِ الإعلام العالَمية، تلفزيونيِّها والإذاعيّ، برامجَ خاصَّةً وساعاتٍ مُحترمَةً من كلّ أسبوع، مع شروحاتٍ واستشهاداتٍ وشهاداتٍ من خبراءَ وعارفين ونقادٍ يُحلّلون ويَشْرحون ويشَرّحون كي يُدخلوا هذه الْموسيقى العالية الى نسيج الفهم العام والاستيعاب الشعبي والتلَقِّي على مُختلَف مستويات الناس وفئاتهم. أما عندنا فلا نَجدها على شاشاتنا إلاّ في أيام الْحداد الرّسمي حين تَهرع مَحطاتُنا التلفزيونية الى البحث، في أرشيفها النائم تحت طبقات الغبار، عن أشرطة موسيقى كلاسيكية لأوركسترات عالَمية، أو لأوركسترانا السمفونية الوطنية كما حصل في الْمُناسبتين الْحِدَاديّتين الأخيرة على شاشة تلفزيون لبنان الذي استعان بأمسيات الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية والأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، تنفيذاً لقرار الْحِداد الرّسمي الذي فرضته الدولة ثلاثة أيام.
ولولا ساعاتٌ أسبوعية تُخصِّصُها مَحطة تيلي لوميير في نهاية السهرة، لقُلْنا إن الْجمهور اللبناني لا يَحظى من الْموسيقى الكلاسيكية على شاشاته إلاّ في أيام الْحِداد، بينما في لبنان جمهورٌ مثقّف يتلقى هذه الْموسيقى الكلاسيكية بنهَم ويُقْبِلُ على مشاهدتها وسماعها، وإن يكن أقلَّ بكثير من جمهور برامج تافهة رخيصة تعرضها شاشاتُها مسمِّمةً بها جيلَنا الْجديد زائدةً من خرعتِه وخفّة رأسه وفراغ دماغه من كل ثقافة.
والأمسياتُ التي يدعو دورياً إليها الْمعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) بفرقتيه الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية والأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، دليلٌ على تزايُدٍ مُطّرد لجمهور أسّس له وليد غلمية هذا التقليدَ الكلاسيكيَّ العالي، وما زال يزداد أمسيةً بعد أمسية، ما يشير الى أنَّ في لبنان جمهوراً لائقاً للموسيقى الكلاسيكية يستاهل أن تُخصِّص له شاشاتُنا وإذاعاتُنا، ولو سويعاتٍ أُسبوعيةً عالية راقية، خارجَ أيام… الْحِداد الرسمي.