الْحلقة 194: انطباعات من عمّان (الجزء الأول): دروسٌ في السياحة الدينية
(الخميس 11 تشرين الثاني 2004)
في طريقنا الى البحر الْميت، عرّجنا على الْمغطس، الْمكان الذي اعتمد فيه الْمسيح. طالعتنا على مدخله بوابةُ قطع التذاكر لوزارة السياحة. دخلنا فكان في انتظارنا باص مرتَّب مكيَّف، انطلق بنا الى أسفل وادي “غور الأردنّ”. وهناك عبرنا مسلكاً مرتباً ذا أرض إسمنتية نظيفة ومتّكأين خشبيَّيْن. مررنا تحت أشجار ظليلة، وبلغنا مكاناً قال عنده الدليل: “هنا عمّد يوحنا يسوع الْمسيح”. مكان مؤهّل، مصوَّن، تظهر فيه أدراج قديمة. أكملنا طريقنا الى كنائس يوحنا الثلاث، تشهد عليها فسيفساء على الأرض. وأكملنا أبعد، عند كنيسة يوحنا المعمدان الأرثوذكسية، وفيها ثلاثة فنانين من اليونان يرسمون جدرانيات أيقونية ترمز الى معمودية يوحنا ومشاهد أخرى من العهد القديم.
بلغنا طرف المسلك المرتّب المستصلح، فإذا نحنُ مباشرةً عند ضفة النهر، نهر الأُردن، على ما جاء في إنْجيل مرقس 1/9: “وفي تلك الأيام، جاء يسوع من ناصرة الْجليل، واعتمد على يد يوحنا في نهر الأُردُنّ”. والمكان مؤهّل جعلته الدولة لائقاً بالسياح وما من أجله يحجّون.
في طريق العودة، سألتُ دليلنا عن حجم السياح الى المكان، فقال إنهم لا يقلّون عن الألف أسبوعياً، يرافقهم في هذه الرحلة التي طولها نصف ساعة، لا أقل من عشر مرات يومياً، ومعه رفاق أدلاء لا يقلّون عنه شرحاً وعدد مراتٍ مسلكاً.
ألف سائح أُسبوعياً؟ ومدخول للدولة مُحترَمٌ من السياحة الدينية!
فأين نحن في لبنان من استثمار السياحة الدينية؟ أين نحن من قانا ووادي قنوبين ومدفن الأُوزاعي وسائر المقامات والواحات ومزارات مقدسة يُمكن إذا استصلحت أن تشكِّل مورداً سياحياً دينياً عالياً، فتصبح السياحة الدينية عندنا جذعاً أساسياً في مواردنا السياحية؟
بلى، لا تزال سياحتنا فقيرة، والدولة لم ترتق بالسياحة بعد الى درجة الصناعة السياحية. السياحة ليست فنادق ومناظر طبيعية وحسب، بل تراثٌ قديم نستصلحه ليصبح ثروة سياحية، كما فعل الأردن بواحاته المقدسة، فصنّعها ويؤمن منها مدخولاً لائقاً.
والى اللقاء غداً في انطباعاتٍ أُخرى من هنا، من عمّان. إليكم بيروت.