الحلقة 159: انطباعات من برشلونة (الجزء الرابع): وحدهم المبدعون يكتبون تاريخ المُدُن
(الخميس 23 أيلول 2004)
وفي برشلونه أيضاً، خلال احتفال تسليم مدير عام الأونسكو كوييتشيرو ماتسورا جوائز “مدن من أجل السلام” هذا العام لعشرة رؤساء بلديات من العالَم، بينها التي نالتها هذا العام بلدة رأْس المتن وتسلّمها رئيس بلديتها الأستاذ مروان صالحة، كانت فائزةً كذلك بلدةُ غيرنيكا الإسبانية. وفي سياق ما قاله ماتسورا عن كل بلدةٍ، وقبل أن يسلّم الجائزة إلى رئيس بلدية غرنيكا ميغالانخِل آراناز، تَحدّث عن إنْجازاتٍ حققتها بلدية غيرنيكا بين شؤون تنموية وبيئية وبنية تَحتية ورعايات اجتماعية وسواها، ولَم يذكر من تاريْخ المدينة إلاّ وحدها اللوحةُ التي خلّدها بها بيكاسو عن مأساة القصف الذي تعرّضت له غرنيكا في 26 نيسان 1937 خلال الحرب الأهلية في إسبانيا.
وحين كان ميتسورا يسلّم درع الأونسكو إلى رئيس بلدية برشلونه خوان كلوس، وبعدما عدّد إنْجازات بلديته على يد مَجلسها البلدي، لَم يستطع إلاّ أن يذكرَ اثنين من خالديها: خوان ميرو وبابلو بيكاسو، ولَم يذكر أحداً من سياسييها.
والشاهد من هذا، أنّ المبدعين وحدهم باقون في تاريخ البلدان والمدُن والمعالِم، ومع مرور الزمن، لا يذكر التاريخ السياسيين، وهم عابرون في زمن عابر، إلاّ قلّتَهم الاستثنائية ذات القامة التاريخية، بل يذكر المبدعين الذن هم يزيّنون الزمان بغيابهم الأقوى من كل حضور.
وعلى ذكْر احتفال تسليم الجوائز، كان خاتِمةَ الاحتفال عزفٌ على البيانو رائعٌ جداً أدّاه الفنان ميغالأنْخلو إيستريلاّ، الذي، حين تقدّمنا منه مهنّئين بعد العزف، وعرف أننا وفدُ لَجنة الأونسكو الوطنية اللبنانية، انشرح قائلاً: “أهلاً بأبناء موطن أبي”. وحين استفسرنا، فهمنا أن والده لبناني من مرجعيون، وأنّ عائلة أستريلاّ ليست سوى ترجمة حرفية لعائلة “نجم” المعروفة في لبنان.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، من برشلونة… إليكم بيروت.