الحلقة 157: انطباعات من برشلونة (الجزء الثاني): من مفتش الباص إلى تماثيل لغير السياسيين
(الثلثاء 21 أيلول 2004)
… وفي برشلونه أيضاً، نكتشف المدينة متنقّلين بالباص. والباص نظيفٌ مرتَّب، يصل على الوقت ولا يتوقّف إلاّ على مَحطّته المسقوفة المقاعد، يسير بسرعته المفروضة فلا يُسرع ولا يزاحم باصاً آخر. وبين بعض المحطات وآخر، يصعد إليه مفتش الباص متفقداً، باحترامٍ، بطاقات الركّاب متأكداً من أنهم دفعوا الجُعالة أو أنّهم مرّروا البطاقة على الآلة المخصصة في الباص لِختم البطاقة.
وهذا ما جعلني أُقارن بين ما هو هنا، في برشلونه، وما عندنا في بيروت حيث الباصات تتوقَّف حيثما وكيفما اتفق، لا يزورها مفتّش متفقداً، والركاب فيها يدخّنون وينْزلون ويصعدون حين يشاؤون، لا احترام لِمحطة، ولا نظافةَ في الداخل، ولا احترام في الخارج للسير بل تزاحمٌ على الركاب الذين يكفي أن يومئوا للباص فيتوقف لا على مَحطة ولا في نقطة مُخصصة.
ومن الباص، هنا في برشلونه، أرى المدينة تَعُجُّ بالتماثيل على قواعد عالية مرتبة ونظيفة. أسأل فأُجاب أنها تَماثيلُ أدباءَ أو فنانينَ أو رجالِ تاريْخٍ كانت لهم بصماتٌ على المدينة، أو انهم من رجال أسبانيا الخالدين.
وما كان هذا الأمر، أيضاً وأيضاً، بِحاجة إلى “نقطة على الحرف”، لولا أننا في بيروت نفتقر إلى تَماثيل يسألُ عنها السياح فيُجابون أنها تماثيلُ عباقرةٍ من لبنان. ذلك أنّ معظم تَماثيلنا في عاصمتنا السياحية هي لسياسيين ليسوا في معظمهم ممن صنعوا تاريخ لبنان. ولولا تمثال جبران أمام الإسكوى، ولو مشوَّهٌ ولا علاقة له بِجبران، وتمثال توفيق يوسف عواد أمام بيت المحامي، لكان السائح يغادر بيروت معتقداً أنْ ليس في لبنان سوى “بيت بو سياسه”.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، من برشلونة… إليكم بيروت.