الحلقة 156: انطباعات من برشلونة (الجزء الأول): الوقوف في الصف والمشي بين الصفَّين
(الإثنين 20 أيلول 2004)
في مطار برشلونة، كما قبلها في مطار باريس وأنا آتٍ إلى أسبانيا، لفتني وقوف الناس تلقائياً في الصف. وقد يكونُ هذا بديهياً ولا حاجة إلى تعليق، لو لم أكنِ الأسبوعَ الماضي آتياً مباشرَةً من مطار بيروت الذي نفخر به وبعصريّته وأناقته، لولا تزاحمُ المسافرين وتدافُعُهُم، وكانوا صباحاً مئاتٍ تنتظرهم طائراتٌ ثلاث في وقت متقارب، فسببوا فوضى وصخباً ولغطاً عند مدخل لم يكن عليه إلاّ عنصرُ أمنٍ واحدٌ لِمراقبة جوازات مئات المسافرين.
هذه الظاهرة، لَم أشْهَدْها في مطار باريس، ولا هنا في برشلونه، لأن الناس معتادون تلقائياً أن يقفوا في الصف، فلا تزاحم، ولا تدافع، ولا ابن ست ولا ابن جارية.
وفي برشلونه كذلك، لفتني خطّان أبيضان للمشاة، يَعبرون الشارع بينهما عندما تضيءُ لهم إشارةُ السير الخضراءُ فتتوقَّف السيارات، ويرتدعون عن العبور عندما تضيءُ إشارةُ المشاةِ حمراءَ فتنطلقُ السيارات. ولَم الحَظِ استثناءً واحداً، ولا مُحاولةً من مشاةٍ لعبور الشارع على ضوءِ المشاة الأحمر، ولا مُحاولةً من سائق للسير فوق خطَّي المُشاةٍ الأبيضين حين أخضرُ ضوء المشاة.
وكلاميَ هذا بديهيٌّ ولا مبرر له أو قيمة، لولا أننا في بيروت، وبعد غياب صفَّي المسامير اللذين كانا للمشاة في شوارعنا قبل الحرب، واستمرارِ غيابهما حتى اليوم، لم يعُد عندنا احترامٌ لِخطَّي مشاةٍ يَمرون بينهما، ولا السائقون يتوقّفون عند إشارة المشاة.
وهذه بداهةٌ تلقائية لم تكن تَحتاج إلى “نقطة على الحرف”، لولا أننا، في بيروت، نَحتاجُ إلى هيبةٍ للدولة في شأن السير، مشاةً وسياراتٍ، وجدتُها، هذه الهيبة، هنا في برشلونه، وتَحسّرتُ على ما ينقصُنا هناك في بيروت.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، من برشلونة… إليكم بيروت.