الحلقة 155: رحلة في سراب إلى نبيل ملاَّح
(الجمعة 17 أيلول 2004)
كان ذلك منذ أربعين عاماً إلا عامين، وتَحديداً سنة 1966، حين التقيتُه في كلية الآداب من الجامعة اللبنانية، واستعدنا زمالتنا السابقة في معهد الرُّسُل، وأكملنا زمالة الصف طوال أربع سنوات الجامعة، يَجمعنا الشعر فيها وكلانا في المطالع الشعرية.
وتفرّقنا بعد التخرُّج عام 1970، ولم نلتق إلاّ بعد سنوات الجمر وعودتنا من غربتينا، وكنتُ ذا نتاج شعري مطبوع، وكان ذا نتاج مَخطوط مِما كان يُسمعنيه، وجديدٍ له ناضج، فلم يعُد إلاّ صدورُه في كتاب.
وكبيراً كان اغتباطي حين حقق تلك الأمنية، وأَصدره في جُزءين: الأول بالفصحى “رحلة في سراب” (مع مقدمة من جورج مصروعة)، والآخر بالعامية “كاسَك يا الله” (مع مقدمة من الرئيس الدكتور غالب غانم)، وفي كليهما نبضه الشاعري الواثق المتين.
وإن كنتُ أخشى أن أُقارب هاتين المجموعتين لأخي نبيل ملاّح، فلأنني أخشى أن تغلب على كتابتي عنهما عاطفة صداقة هي بين الأمتن في صداقاتي، ولو انني مؤمنٌ بأنّ قصيدته الكلاسيكية تغرف من الأصالة فلا تسقط، وتتعمّد الأصول فلا تشذُّ عن قاعدة، وتتّبع الصعوبة التي هي في الشعر أصلُ الشعر، لأن الفن يعيش في الصعوبة ويموت في الاستسهال.
وبين قصائده الفصحى الستِّ والخمسين، وقصائده العامية الستِّ والستين، إضاءاتٌ في كتابين على شاعرٍ من عندنا متين، يعرف أصول اللعبة الشعرية، لم تُغْرِهِ موضةٌ ولا موجة، لأن نبيل ملاّح يعرف أن الشعر الشعر يعبر الموجات إلى الثوابت، ويعبر الموضات إلى الجذور التي تَمرُّ عليها الفصول، فترحل الفصول وتبقى الجذور حيث هي، نسغُها الأصالة، والأصالة شرطٌ أول في سِفْر البقاء.