الحلقة 129: … ثُمّ ينتهون صُوَراً على حيطان
(الخميس 12 آب 2004)
كنّا عائدين من هياكل بعلبك، بعد أمسية ساحرةٍ للأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية، مأخوذينَ بروائعَ قدّمتها الأوركسترا من اختيار وقيادة الدكتور وليد غلمية، تَمتّعنا خلالها بأعمالٍ من العباقرة الْخالدين في كل عصر ومكان: برليوز، تشايكوفسكي، براهمز، شتراوس، فيفالدي، دفورجاك، ريمسكي كورساكوف، سيبيليوس.
وككل مرةً نعود ليلاً من بعلبك، ونَجتاز مجاهل أمازون سهل البقاع بطريقه الْموحشة الْخطرة الْموهوبة بالْحُفَر والظلام، لا بُدّ من التعريج على مطعمٍ نتناول فيه عشاءً أو بعض عشاء.
توقّفنا، باقتراح إحدى الصديقات، عند فندق شهير في شتورة، ما دخلناه حتى خفّ إلينا الْمسؤول هاشاً باشاً مرحّباً. وقبل أن يقودنا الى غرفة الطعام، أصرّ علينا أن نَمر ببهوٍ في الْمدخل، مليءٍ بصور فوتوغرافية قديمة لكبار مَن زاروا هذا الفندق أو أقاموا فيه.
رحتُ أتأمّل الصُّوَر، وهي فعلاً قديمةٌ ونادرة ووثائقية مهمة، لكنها جميعَها لسياسيين من ملوك ورؤساء جمهورية وأولياء عهد ووزراء ونواب، من لبنان ودول عربية وعالَمية. وما انتهت بي الْجولةُ حتى قلتُ للصديقة صاحبة الدعوة: “تأمّلي هؤلاء جميعاً… حكموا، وتَحكموا، واستحكموا، وحاكموا، وحوكموا، ثم غابوا وانتهَوا صوراً على حيطان. فما أتعسَهم. وها نَحن عائدون الآن من أدراج بعلبكَّ التي ارتَجّت حياةً لروائعِ خالدينَ غابوا وما زالوا بيننا أحياءَ يرتعون! فما أهنأَنا بهم، ويا هنيئاً لهم هذا الْخلود يَجعل غيابَهم بيننا أقوى من الْحضور”.
وهذا هو الفارق بين أهل الإبداع، لا يغيبون ولو غابوا، ويظلُّون بيننا نابضين بالْحياة، وبين أهل “بيت بوسياسة” يتكبَّرون ويتجَبَّرون، حتى إذا غابوا غرقوا في مَجاهل النسيان، فلا يبقى منهم بيننا سوى… صورٍ على حيطان!