الحلقة 128: كي لا ننتقل من حكم الرعاية الى حكم الرعيان
(الأربعاء 11 آب 2004)
هذا الْمساء، تنفتح الستارة على مسرحية منصور الرحباني الْجديدة “حُكْم الرعيان”، في سياق ليالي مهرجانات بيت الدين.
هذا الْمساء، نَحنُ إذاً على موعدٍ مع عمل رحباني جديد، لاذعٍ كالعادة، ساخرٍ كالعادة، غنائيٍّ كالعادة، بَهيجِ الْمشهدية والْميلوديا، دقيقِ الْحبكة والْحوار، رؤيويِّ الْمضمون أو مُسْقِطٍ على الْخشْبةِ واقعَ الوطن، وهو ما اعتدناه في أعمال الأخوين رحباني لغاية “بترا”، وفي أعمال منصور الرحباني منذ “صيف 1840″، علاماتٍ مضيئةً في ذاكرة مسرحنا الغنائي اللبناني.
هذا الْمساء، يتابع الْمشاهدون في باحة قصر بيت الدين، ما قالها منصور الرحباني “قصةً غيرَ قابلةٍ للتصديق، لا حدثَت ولا يُمكنُ أن تَحدُث، ولا تنطبق على بلداننا الْمترَفَة السعيدة، ولا على شرقنا الْمتنعِّم بالْحرّية”. وفي هذا الكلام السوريالي العبثي وحده ما يكفي للإيْحاء بسخرية منصُور الرحباني السوداء القاسية بكرباجٍ لا يرحم الرؤساء والْملوك.
هذا الْمساء، يتابع الْمشاهدون في باحة قصر بيت الدين قصةً من الـ”كان يا ما كان، في قديم الزمان، وبعدو لَحَدّ الآن” عن أحداثٍ لا تَخضع لِمنطق، تَجري في وطن “كرْمْسْتان”، أيام الْملك رعد الثالث خان، الذي يسلّم الْحُكْم سنةً كاملةً لِِلمعّاز سعدون، وبينهما جارية من الْحسان اسمُها “ست الْحسن”، ألعوبة القصر والْمخابرات والْحبكة الروائية الْجميلة.
هذا الْمساء، تبدأُ الْمسرحية بالنداء: “يلاّ يا ملكنا، اطلَع من الْحكايه، وإنتو يا زغار لا تنامو، وإنتو يا كبار اسهرو”… وتَجري أحداث الْمسرحية حتى تنتهي بصرخة الندم: “طارت الكرسي، واللي على الكرسي ونِحنا ملهيّين، وحكّامنا ضايعين بلعبة الْمصير، انتبهو على الوطن، كمان الوطن بيطير”، فتجيب صرخة راعدة من الداخل: “بس يا ولاد، كل واحد عَ بيتو”.
بلى… إنها الصرخة الأصدق: “بس يا ولاد، كل واحد عَ بيتو”، يصرخها شعبٌ كاملٌ تلوّع تاريْخياً بِـتَنَقُّله من حكم العثمنة، الى حكم الانتداب، الى حكم الوصاية، الى حكم الرعاية، حتى انتهى أخيراً الى حكم الرعيان، يوم حكمه معّازٌ صار هو الذي يأمر الْملك.
وما أتعس البلدَ الذي يصبح الْملِكُ فيه صورة على حيط، يأمره ويتحكم به وبشعبه معّاز داشر.