الحلقة 122: فَكُّ الْمساريْن بين طرابلس والدبُّوسية
(الثلثاء 3 آب 2004)
حين دعتني رابطةُ الْخريْجين الْجامعيين في حمص للمشاركة في مهرجانها الشعري الثامن والعشرين، مرّ ببالي أن أذهب بسيارتي. لكنّ صديقاً لي أقنعني بأن استقلّ التاكسي وأفيدَ من الْمسافة بالكتابة أو القراءة.
أشكر صديقي، لا لأنني، في تَبَنِّيَّ نصيحتَه، غنمتُ في التاكسي وقتاً للقراءة، بل لأنني، لو ذهبتُ بسيارتي، لعُدْتُ حتماً بدونها، فالطريق الى حمص تنتهي في طرابلس. أما بعد طرابلس، فَجَلٌّ خلفَ جلّ، ووديانُ حصى وحجارةٍ ومطباتٌ وتضاريسُ صخريةٌ وآبارٌ مفتوحة ومشاريعُ وديانٍ وطرقاتٌ ضيّقة تَجتاحها الشاحنات، كأننا نسير وسط كسارةٍ مهجورة، لا يرضى أن يَجتازَها جرَّار زراعي، فكيف بسيارة عادية!
“هذه حالتُنا يا أُستاذ منذ أشهر، فكيف لو جئت معي في أيام الشتاء وعاينتَ كيف نسبح وسط بُحيراتٍ مفتوحةٍ في قعر مياهها على مفاجآت ينْزل فيها دولاب السيارة ولا يعود يصعد إلا بالونش”، قالها لي غزوان، سائق التاكسي الذي نقلَني الى حمص واستغرقت معه الْمسافة من طرابلس الى الدبوسية أطول مِما تستغرقه الرحلة العادية على طريق عادية من طربلس الى حمص.
ولولا استراحةٌ حدودية في مكتب أبو مظهر، رئيس مفرزة الدبوسية، لكانت الرحلة أشقَّ من رحلات أمين الريحاني على البغل خلال رحلاته في قلب لبنان.
غريبٌ والله أمرُ البنية التحتية في هذا البلد: وزير الأشغال ابنُ طرابلس، ألا يدري ماذا يجري بعد طرابلس بأمتار؟ وإذا كان الأمرُ تأهيلَ الطريق، فكم قرناً يلزم كي ينتهي تأهيلُ الطريق؟
ثم… الذين يصرّون على تلازم الْمسارين اللبناني والسوري، هل يقتصر عندهما الْمساران على طريق الْمصنع فقط باتّجاه دمشق؟ ألا يبالون إذا كان ينفَكُّ الْمساران بين طرابلس والدبوسية؟
كاريكاتور؟ ربما. لكنَّ أوجع الكاريكاتور ما يثير بسمةً على الشفتين، بينما في القلب تنشُب غصَّةٌ، وعلى اللسان تُلِحُّ شتيمة.