الحلقة 74: الهنود الحمر سرقوا بلاطات النفق
(الخميس 27 أيار 2004 )
ما صدّقْنا أن بيروت توسَّعَت شرايينُها بأنفاق وطرقات عريضة دفّقت الدم في قلب العاصمة بعد اختناقها من زحمات السير الْمرهقة، حتى أخذنا نوجَع من بشاعة البلاطات في الأنفاق بعدما اجتاحتها شعاراتُ الأحزاب الْمؤدلَجة، وكتاباتُ العبارات التحريضية، وصور الْمرْشحين على الانتخابات، وملصقات الْحفلات وإعلانات صيصان الْمطاعم وقبابيط القهاوي عن حفلات يقدمون فيها الغناء مع الفراريج على الفحم.
ولم يكتف العهر اللامسؤول بهذا فقط، بل تمادى الى سرقة بلاطات الأنفاق لأغراض منْزلية لا تَخفى على اللبيب. فالْمارُّ من النفق الْمؤدّي من جسر فؤاد شهاب الى نزلة الفينيسيا، يفاجأُ بأن معظم بلاطاته مسروق، وبات منظرُهُ مشوَّهاً وبشعاً، بعدما كان مريْحاً وجميلاً ويذكِّرُنا عند مرورنا فيه بأنفاق العواصم الْحضارية.
يعني: لا يكفي هذه الأنفاق الْحيوية ما هي عليه من عتمةٍ خطرة، أو فقدان التهوئة، أو غياب الإشارات الضوئية أو الفوسفورية، حتى يسطو على بلاطاتها رعاع الهنود الْحمر.
مستمعو هذه الحلقة الصباحية من “نقطه على الْحرف” يعرفون أننا لا نوفّر الدولة من نقداتنا حين هي الْمسؤولة عن خطإٍ أو تقصير. لكنّ هذه السرقة في الأنفاق لا دخل لتقصير الدولة فيها، بل لقلّة الأخلاق الْمدنية والوطنية لدى مواطنين يشوّهون مَعْلَماً عاماً من أجل مصلحة خاصة، أو سادية مريضة، أو فسادٍ معشِّشٍ فيهم، وليس مُمكناً أن نطلب من الدولة وضعَ بوليس عند مدخل أو مَخرج كل نفق.
إنّها مسألة مواطنيّة شريفة، والْمواطن الفاسد لا تردعه النصائح بل يردعه سيف السلطة، حين يكون السيف مصلتاً على الْجميع، لا في يد سيّاف يُميّز بين مواطن يُحاكَم ومواطن مدعوم من بيت بو سياسه.
هذه الأنفاق في عاصمتنا وجهٌ مشرقٌ، فلنحافظ على جمال بيروت. إنه ملمَحٌ عصريٌّ مشرِّفٌ من وجه لبنان.