73: أفضل النتائج حالات التَّسَمُّم
(الأربعاء 26 أيار 2004)
تباطأت السيارة أمامي، ورأيتُ سائحاً أجنبياً فيها يسرع في التقاطٍ مشهدٍ الى يمين الطريق، سريعاً سريعاً، لقطةً، لقطتين ثلاثاً، ثم مضت به السيارة عجلى.
لفتني الأمر، التفَتُّ الى يميني، في ذاك الشارع الشعبي العام الْمكتظ الْمزدحم، فإذا بواجهات ثلاث لِمحالَّ ثلاثة: أوَّلَ لَحّام يعرض شرائح اللحم معلَّقة فوق الرصيف أمام باب الْمحَل، وثانٍ لَخُضَريٍّ يعرض أنواعَ الْخُضَر الْمختلفةَ مبسَّطَة في الشارع على الرصيف أمام باب الْمحَل، وثالثٍ لبَقّال يعرض صناديق الفواكه على الرصيف أمام باب الْمحل، وعلى الرصيف مارَّةٌ ومشاةٌ، وأمام الرصيف سياراتٌ صغيرةٌ ووسطى وباصاتٌ وشاحناتٌ وما يترفع منها وعنها من مَحروقات تنثر روائِحها ومازوتَها ودُخانَها على اللحم والْخُضَر والفواكه، عدا جحافل الذباب والزراقط والنحل وحشرات لا اسم لها تتغندر على أجزاء اللحم الذي سيشتريه الناس ويأكلونه، وعلى الْخُضر التي مهما غسلها الناس لن يطهِّروها، وعلى فواكه مهما قشّرها الناس لن يمحوا عن اصابعهم آثار القرف العالق على قشورها.
واهتزّ غضبي من سائحٍ سينشر هذه الصورة على مواطنيه فيأخذون صورة مشوّهة عن لبنان السياحة والاصطياف والْجمال.
لا أعرف مَن هو الْمسؤول عن ضبط هذه الْمشاهد الْمقرفة: أوزارة الصحة، أم شرطة السير، أم شرطة البلدية؟ لكنه مشهد مقزِّزٌ يؤذي السياحة في لبنان، سبَبُه تُجار بقَّالون ولَحَّامون عديْمو الْمسؤولية يبيعون مواطنين جَهَلَة، لَحماً وخُضَراً وفواكه مَمزوجةً بدخان الْمازوت وطبقات الغبار وجراثيم الذباب، وليس من يسأل وليس مَن يراقب وليس مَن يُحاسب.
سَميتُ ذاك الأجنبيَّ سائحاً، وصلّيتُ ألاّ يكون صحافياً، لأن نشر صورة كهذه في الصحافة العالَمية، تغتال كلَّ ما نكتبه ونقوله وننشره للخارج عن لبنان السياحة والْجمال. أما للداخل فأفضل نتيجة نتوقَّعُها من حالةٍ مقرفةٍ كهذه، أن يصاب الْمواطنون بالتسمُّم، كي لا نوغل أكثرَ في التشاؤم، فنقولَ إنّهم يصابون بِحالات صحيةٍ مستعصيةٍ لا ينقذهم منها سوى… النفَس الأخير.