الحلقة 38: ليست زحمة سير بل قلة أخلاق
(الأربعاء 7 نيسان 2004)
باتت موضة ممجوجةً وسمجة، أنْ كلّما انزعجنا من أمر أو مشهد أو حادثة، نشتم الدولة ونلعن الدولة ونتّهم الدولة بالتقصير والإهمال. وإذا كان صحيحاً أن الدولة “جسمُها لبّيس” لهذا النوع من الانتقادات، وخاصةً من أهل الحكم أنفسهم نواباً ووزراء يتسابقون على انتقاد الدولة كأنهم من زمبابواي ويتابعون الوضع في لبنان، فهذا ليس مبرِّراً لنُلْقي على الدولة كلَّ خطإٍ أو تقصير.
وما نشهده يومياً على الطرقات من زحمة سير خانقة، ليس كلُّه من الدولة، بل من سائقين تبلغ بهم الوقاحة أحياناً حدّ اشتهاء عقاب لهم ليس أقلّ من سجن طويل.
فالذي يأتي عكس السير ويعرقل الْمتّجهين في وجهة السير، والذي يتجاوز السيارات زيكزاكياً بينها في وقاحةٍ سافلة، والذي يَجتاز التقاطع على الضوء الأحمر، والذي يركن سيارته أمام مَحلٍ يقصده فيقف وسط الطريق، والذي يوقف سيارته على الرصيف سادّاً بها طريق الْمشاة ونصفاً من عُرض الطريق العام، والذي يقود سيارته: في يدٍ جهازُه الخلوي وفي اليد الأخرى مسبحة وسيجارة ولا يضبط مقود القيادة، والذي يدير راديو السيارة أو الكاسيت بصوت مرتفع جداً تَرُجُّ معه سيارته وقلوب الناس في السيارات الْمحاذية، والتاكسي الذي يتوقف فجأةً وسط الطريق أو ينعطف بسرعة مفاجئة فورَ يشاهدُ راكباً الى جانب الطريق أو على الرصيف، والذي يسير ليلاً بالنور العالي القوي فيبهر الآتين من الْجهة الْمقابلة، والذي يتوقف صفاً ثانياً في شارع ضيِّق فيضيّقه أكثر ويقفل سيارته ويمضي، والذي يقف في مكان ممنوع تحت إشارة ممنوع الوقوف تماماً، والذي يزمّر للواقفين أمامه لأنهم متوقِّفون على الضوء الأحمر، …
وتطول اللائحة تطول، ومهما بلغ طولُها، يظلّ أقصر من قلة أخلاق سائقين رُعناء بلا حسيب ولا رقيب، يمارسون قلة أدبهم وقلة أخلاقهم على الطريق، فيسببون زحمة السير، وقد يسببون غالباً حوادث سير معظمها قاتل فاجع.
بلى. صحيح أن الدولة مقصرةٌ في الحساب والعقاب، لكنّ المسؤول قبل الدولة: سائقٌ بلا أخلاق يمرّ بك، يزعجك، ويستفزُّك، ويكمل سيره، في فمه علكةٌ وبسمة ساخرةٌ مَجبولةٌ بالوقاحة.