الحلقة 37: كيف تكون أمبراطورية بريطانيا العظمى أصغر من أمبراطورية لبنان؟
(الثلاثاء 6 نيسان 2004)
يومها تعيَّن يوسف السودا سفيراً للبنان في البرازيل. وبعد التحاقه بأيام، دُعيَ الى كوكتيل يدعى إليه عادةً سفراء الدول، جُزءاً مهماً من شغلهم اليومي.
وهناك، عرّف يوسف السودا عن أنه سفير لبنان، فبادر سفير إنكلترا الى الجواب الفوري: “لبنان… أعرف عنه. أنتم دولة صغيرة”. قالها بلهجة منفوقية متعالية، وأكمل تنفيخ سيجاره الطويل.
فبادره يوسف السودا فوراً، على مسمعٍ من حلقة السفراء الموجودين: “صحيح يا سعادة السفير، دولتي صغيرة لكن وطني كبير”. استغرب السفير الإنكليزي، وسحب سيجاره بحركة استفهام لم يقُلْهُ لأن الكبير يوسف السودا أردف: “يا سعادة السفير، أنت سفير بريطانيا العظمى، الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وأنا من أمبراطورية لا تغيب عنها الشمس. والفارق بيننا، يا سعادة السفير، أنّ أمبراطويتَك العظمى صائرةٌ الى زوال، وأمبراطوريتي العظمى آخذةٌ في التوسُّع”. وإذ بدأ يرتجف السيجار في يد السفير المتعالي، واصل الكبير يوسف السودا: “أمبراطوريتُك العظمى يا سعادة السفير قائمةٌ على وساعة المستعمرات. والمستعمرات الى تضاؤل وتحرير واستقلال وزوال سيطرتكم عليها، حتى تستقلّ المستعمرات وتعودوا الى دولتكم ضمن حدودكم المعترف بها دولياً وتصبح الشمس تغيب عنكم حين تغيب. أما أمبراطوريتي يا سعادة السفير فقائمة على حضور اللبنانيين فاعلين ضالعين بارزين في دول العالم وهم مرشَّحون للازدياد والانتشار حتى تظلَّ أمبراطورية وطني لا تغيب عنها الشمس”.
هذه القصة، لا للتقليل من أهمية سفير أجنبي أمام سفير لبنان، بل هي للتدليل على أن سفير لبنان في الخارج، إما أن يكون لبنانياً كبيراً من حجم الكبير يوسف السودا، وسفير الحضارة اللبنانية في العالم، وإلاّ فهو سفير موظّف منضبط الدوام يصرّف الأعمال ويوقّع على البريد، ويعمل خارج الدوام بتلبية الحضور الى جميع… حفلات الكوكتيل.