من خطوة التانغو الى خبطة الدبكة
السبت 21 تشرين الثاني 2009
– 624 –
قبل أيام أقرّت اللجنة الحكومية المشتركة في منظمة الأونسكو “إدخال رقصة التانغو على لائحة تراث الإنسانية الثقافي غير المادي”، وبرَّرت قرارها بأنّ “التانغو تعبير ثقافي شعبي حيّ، ومرآةٌ رئيسية لهوية شعوب قديمة في حوض نهر “ريو دو لاپْلاتا” (مشترَك بين الأرجنتين والأورُغواي). وفي التقرير أن “هذه الرقصة التقليدية انطلقت نحو عام 1870 من صالات بوينُس آيرس (الأرجنتين) ومونيڤيديو (الأورغواي) وانتشرت الى العالم كله بجمال خطواتها وتطوّرت مع الوقت فلم تحجبها حداثة العصر”.
ولائحة “التراث الثقافي غير المادي” لدى منظمة الأونسكو تكمل “لائحة التراث العالمي” التي باتت تضم اليوم مئاتِ المواقع الطبيعية والثقافية في كل العالم (بينها ستة مواقع في لبنان: صُور، عنجر، بعلبك، بيبلوس، وادي قاديشا، وغابة الأرز).
ورغم الخلاف المزمن بين الأرجنتين والأورُغواي على أيٍّ منهما مكانُ ولادة ملك التانغو كارلوس غارديل (مُكتشف المؤلِّف الموسيقي أستور پياتزولاّ رائد تطوير موسيقى التانغو) تقدّمت العاصمتان معاً (بوينُس آيرس ومونيڤيديو) بطلب الترشيح الرسمي الى منظمة الأونسكو لإدراج التانغو على لائحة “تراث الإنسانية الثقافي غير المادي” أُسوةً بما سبق أن دخل في لائحة الأونسكو من هذا التراث (مسرح الكابوكي التقليدي في اليابان، الأغنية الڤيدية في الهند، رقصة السامبا في البرازيل، …).
وبرّرت العاصمتان الترشيح بأن إدراج التانغو على لائحة “تراث الإنسانية الثقافي غير المادي” سيُتيح للبلدين استثمارَ هذا التراث الثقافي مورداً فعلياً للاقتصاد السياحي. واليوم بعد إقرار دخوله اللائحة العالمية ستبدأ العاصمتان معاً بتأسيس أوركسترا كبرى أعضاؤُها من حوض نهر “ريو دو لاپْلاتا” (الأرجنتين والأورغواي معاً)، وتأسيس متحف مشترك بين البلدين، وإصدار كتاب مفصَّل لِجميع خطوات التانغو وخارطة انتشارها اليوم في جميع البلدان، وإنشاء أكاديميات للتانغو في معظم عواصم العالم.
ما يهمُّنا من هذا الخبر (طالما لبنان داخل في “لائحة التراث العالمي” بستة مواقع، وله طلباتُ ترشيح أخرى لدى منظمة الأونسكو): لماذا لا يبادر لبنان، عبر لجنة الأونسكو الوطنية اللبنانية واللجنة الوطنية اللبنانية لذاكرة العالم، وكلتاهما تابعة لمنظمة الأونسكو، فيقدِّم ملفّين جديدين للترشيح بإدراج الدَّبكة اللبنانية والزجل اللبناني على لائحة “تراث الإنسانية الثقافي غير المادي”؟
ليس المجال هنا لتعداد تراثيّة الدبكة اللبنانية والزجل اللبناني وما لهما من حضور مرآتِيّ لتراث لبنان الشعبي الفولكلوري القديم والمحدَث معاً، فكلاهما فنٌّ عريق من بلادنا حاملٌ من ماضينا المشرق خبزاً ثقافياً لحاضرنا الذي نحمله الى أجيالنا الآتية.
صحيحٌ أن الدبكة والزجل انطلقا في الدول المجاورة كذلك (سوريا، الأردن، فلسطين)، لكنّ لهما خصوصيةً لبنانية تتميّز عن سواها، سواءٌ بالأغنية الشعبية (عَمِلَ الأخوان رحباني على تطويرها) أو بالكوريغرافيا المميّزة (عَمِلَت فِرَقٌ مُحترفةٌ على تطويرها، كـ”الفرقة الشعبية اللبنانية” وفرقة “الأنوار”)، أو بالملابس الأنيقة (عَمِلَ اختصاصيون على تطويرها من داخل تراثيّتها)، الى ما للفِرَق الزجليّة من تأثير شعبي لا يزال حتى اليوم يَجد أصداءه ومريديه وقاصديه بالمئات غالباً، وبالآلاف عند المباريات والمنافسات بين الفرق الكبرى أو الشعراء الكبار، لإبقاء هذا الفن الصعب حياً ينتقل من جيل شعرائه الروّاد الى جيل الشباب منهم.
ولنا في مهرجاناتنا الشعبية (خصوصاً في مرحلة الستينات والسبعينات)، وفي سهرات الزجل المتنقّلة بين القرى والأرياف والمصايف والدساكر، مَحفوظاتٌ سمعية وبصَرية تشكّل ملفّين كبيرين يترشَّح بهما لبنان، فريداً، لدخول هذه اللائحة العالمية، فيضاف الى مرايا التراث الشعبية التقليدية في العالم تراثٌ عالميٌّ آخرُ من لبنان. ولنا في قرانا اللبنانية إرثٌ ثقافيٌّ غيرُ مادّيّ، لا يكفي أن نتغنى به نوستالجياً.
فلْنعمَل على حفْظه في الذاكرة المحلّية، والحفاظ عليه في ذاكرة العالم. ولسنا بعيدين عن ذلك بتراثنا الشعبيّ الغني الرائع.