الحلقة 25 : الأرصفة للمشاة والزهور وليست للكلاب
(الجمعة 19 آذار 2004)
حين كنتُ في الولايات الْمتحدة، خلال إقامتي في “الْمنأى الْمُؤَقَّت” على بُحيرة الليمون في فلوريدا، كنتُ أرى الْمواطنين ينَزّهون كلابَهم على الأرصفة، في دأْبٍ يومِيٍّ تفرض فيه الكلابُ على أصحابِها دواماً أين منه دوامُهم الى العمل أو الى رياضتهم الصباحية.
وكنتُ كذلك أُلاحظ أن الْمواطنين لَم يكونوا يتركون كلابَهم تعبّر عن حاجاتها البيولوجية في حيثما يَحلو لَها، أي على الرصيف أو أمام البيوت والْمحالّ، بل في نواحٍ نائية جرداء، لا تطأُها أقدام الْمشاة، خصَّصَتها البلدية حتى تعبّر فيها الكلاب عن حاجاتِها البيولوجية.
ومن يُخالف ذلك من الْمواطنين، يكون الشرطي فاجأَه بِمحضر ضبطٍ يبلع له الْمواطن لسانه، ويلاعب له الكلب لسانه وهو أبله لا يدري ما الذي يَجري.
لذلك يرعوي الْمواطن هناك، فلا يترك الكلب يعبّر عن حاجاته البيولوجية إلاّ في الأماكن الْمخصصة، والسبب: تَهيُّب الْمواطن هناك من هيبة الدولة. أكرر: هيبة الدولة.
وعندنا؟ ما الذي يَجري عندنا؟
يَجري أن أرصفتنا الْمخصصة للمُشاة الْمتنَزّهين والزهور الْجميلة الفواحة، تصبح غالباً في الصباح ساحاتٍ مقرفةً لتعابير الكلاب البيولوجية، حتى يأنف الْمواطن من الْمنظر والرائِحة والقرف الذي يتركه على الرصيف مواطنٌ أخرقُ أرعنُ ثقيلُ الدم، ولا يتردَّد من ترْك كلبه يعبِّر عن أحلامه البيولوجية على الرصيف أو قدام مَحل أو على باب بيت، لا لأن الكلب يُحِب ذلك بل لأن الْمواطن يُحب ألاّ يُزعج نفسه بقيادة الكلب الى ناحية نائية.
هذا العمل اللامسؤول يأتيه مواطنٌ أرعنُ لامسؤول، إنّما يأتيه لأنه واثقٌ أنّ الدولة لن تطالَه، والشرطيَّ لن يوقفَه، فيتصرّف على هواه في التعبير عن ثقل دمه، وعلى هوى كلبه في التعبير عن حاجاته البيولوجية، وتكون النتيجة أن تَمتلئ الأرصفة ومداخل الْمحلاّت تعابير كلاب عوض أن تَمتلئ زهوراً وفسحاتٍ لأرصفة الْمشاة والْمتنَزّهين.
بلى، مرة أخرى: الدولة ليست دستوراً وقوانين وخطابات سياسيين وتصاريْح مسؤولين.
الدولة، أولاً وأخيراً، هيبة.